وما داموا قد سلموا بأن الله هو الذي خلقهم، وهو الذي خلق السماوات والأرض، فلا بد أن يسلموا بأنه إنما خلقهم لغاية، هي أن يؤدّوا حق استخلافهم في أرضه وفق ما أوحى لأنبيائه، وبعد انقضاء مدة بقائهم في الدنيا ينتقلون للآخرة للحساب والجزاء، وهذا هو ما يعبَّر عنه في القرآن بالرجوع إلى الله وبلقاء الله، وإذا كان العقل يسلِّم بهذه الحقيقة، ويقول بأنه لا بد من البعث والحساب، فإن القرآن أفاض في بيان ذلك حتى لم يبق حجة لأحد، ولا عذرًا لمعتذر، وهذه بعض أدلته يسوقها سهلة تختلط بالعقل والمشاعر، وتشع نورًا يهدي إلى الحق وإلى طريق مستقيم.
اقرءوا بعض ما ذكره الله في سورة "الروم" من قوله: {اللَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} (الروم: 11)، وما بعدها من بيان حال المجرمين والكافرين والمكذبين بآيات الله ولقائه، وحال المؤمنين الذين عملوا الصالحات، وتأمّلوا في إثبات ذلك قوله في السورة: {يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَيُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَكَذَلِكَ تُخْرَجُونَ * وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ * وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} (الروم: 19 - 21) إلى أن يقول: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ بِأَمْرِهِ ثُمَّ إِذَا دَعَاكُمْ دَعْوَةً مِنَ الْأَرْضِ إِذَا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ} (الروم: 25) إلى أن يقول: {وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ} (الروم: 27)، وليس هناك كما تعلمون بالنسبة لقدرة الله هيّن وأهون، فأمره بين الكاف والنون {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} (يس: 82) ولذلك قال: {وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} (الروم: 27).
وتتواصل أدلة القرآن في السورة سورة "الروم"، فترى منها قوله: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَفْعَلُ مِنْ ذَلِكُمْ مِنْ شَيْءٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} (الروم: 40)، وإذا كان المشركون لا يمارون