أضاءت ما حوله من أذى، فأبصره، حتى عرف ما يتقي منه، فبينما هو كذلك؛ إذ طفئِت ناره، فأقبل لا يدري ما يتقي من أذى، فذلك المنافق، كان في ظلمة الشرك فأسلم، فعرف الحلال من الحرام، والخير من الشر، فبينما هو كذلك إذ كفر، فصار لا يعرف الحلال من الحرام، ولا الخير من الشر".
ويرى ابن جرير وغيره أنّ هذه الظلمة التي اعترتهم بعد أن كانوا في النور، إنما هي تشبيه لهم بما يصير إليه أمرهم يوم القيامة، فيقول: "هذا مثل ضربه الله للمنافقين، أنّهم كانوا يعتزون بالإسلام فيناكحهم المسلمون ويوارثونهم ويقاسمونهم الفيء، فلما ماتوا سلبهم الله ذلك العز، كما سلب صاحب النار ضوءه".
وقال عبد الرزاق عن معمر عن قتادة: " {مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ} (البقرة: 17) فهي لا إله إلا الله، أضاءت لهم فأكلوا بها وشربوا وآمنوا في الدنيا، وأُنكحوا النساء، وحقنوا دماءهم، حتى إذا ماتوا ذهب الله بنورهم وتركهم في ظلمات لا يبصرون".
أما المثل الثاني: فهو مثل ضربه الله لأناسٍ من المنافقين، تتقطع قلوبهم ترددًا وشكًّا، فلا يقر لهم قرار، ولا تطمئن إليهم نفس، فانظر إلى روعة هذا المثل الذي ضربه لهؤلاء التعساء البؤساء، وكيف رسم صورة كأنك تراها رأي العين لهم، فأنت ترى أناسًا يسيرون في طريق يريدون أن يصلوا إلى غايتهم، وبينما هم كذلك؛ إذ بسحب السماء قد تجمّعت، وإذا بأمطارها قد هطلت، وإذا بالرعد يدوي بصوته، وبالبرق يلمع بضوئه، وقد وقفوا يرتجفون خوفًا، يحذرون أن تأخذهم صاعقة من هذه الصواعق، فتراهم وقد وضعوا أصابعهم في آذانهم من الصواعق حذر الموت، والبرق من شدته يكاد يخطف أبصارهم، كلما لمع