إلى فهمه وتدبره، ولما سأل الصحابة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يقص عليهم من قصص القرآن ما يسرّي عنهم، نزلت الآيات تذكر لهم قصة يوسف، وبدأت بقول الحق -تبارك وتعالى-: {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ} (يوسف: 3) أي: لا علم لك به من قبل، أما وقد علمته، فهذا دليل على أنه من عند الله، وأنك رسول الله.
أوجه أن قصة يوسف من أحسن قصص القرآن، اشتمالها كما يقول العلامة الألوسي: "على حاسد ومحسود، ومالك ومملوك، وشاهد ومشهود، وعاشق ومعشوق، وحبس وإطلاق، وخصب وجدب، وذنب وعفو، وفراق ووصال، وسقم وصحة، وحلٍّ وارتحال، وذل وعز، وقد أفادت أنه لا دافع لقضاء الله تعالى، ولا مانع من قدره، وأنه سبحانه إذا قضى لإنسان بخير ومكروه، فلو أن أهل العالم اجتمعوا على دفع ذلك لم يقدروا، وأن الحسد سبب الخذلان والنقصان، وأن الصبر مفتاح الفرج، وأن التدبير من العقل، وبه يصلح أمر المعاش، إلى غير ذلك مما يعجز عن بيانه بنان التحرير".
وبعد هذا الاستهلال للقصة، تبدأ القصة بقول الله تعالى: {إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ} (يوسف: 4)، فتلفت الأنظار إلى أهمية القصة، وأنها جديرة بأن تبقى دائمًا في الذاكرة، يستلهم منها أهل الإيمان من العبرة والعظة الكثير، ذلكم أن قوله: {إِذْ قَالَ يُوسُفُ} كلمة "إذ" منصوبة بإضمار اذكر، أي: اذكر وقت إذ قال يوسف لأبيه، والمقصود من ذكر الوقت -كما تعلمون- ذكر ما حدث فيه، وما حدث فيه أمر عظيم، يبدأ في تلك الرؤية التي قصّها يوسف على أبيه يعقوب، والتي ذكرتها الآية.
ولم تذكر الآيات أن يعقوب فسر هذه الرؤيا لابنه، إنما نصحه أن يكتمها عن إخوته حتى لا يكيدوا له كيدًا يضره، فهو -أي: يعقوب- يرى من أبنائه