لكن الرجل المؤمن وهو يحاور هذا الكافر يقول له متسائلًا: {أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا} (الكهف: 37).
فأشار بقوله: {أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ} إلى ما كان من أمر آدم -عليه السلام- ونحن قد ذكرنا أن الرجلين كانا من بني إسرائيل، وهما يعلمان أن الله خلق آدم من تراب، فلم يكن آدم موجودًا فالذي أوجده هو الله، وأوجده لغاية نبيلة عظيمة، هي أن يكون خليفة في هذه الأرض، وليكون أبناؤه من بعده خلفاء، يحكمون بشرع الله وهدي الله، ويعبدون الله سبحانه وتعالى، كما قال -عز من قائل-: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَاقُ ذُوُ الْقُوَةِ الْمَتِين} (الذاريات: 56، 57).
فرد هذا الرجل إلى حقيقته الأولى، وأنه خلق من تراب، ثم ذكره بحقيقته هو في خلقه في بطن أمه، إذ لم يكن موجودًا قبل أن يخرج لهذه الحياة، خلقه الله عز وجل من نطفة، فتدرج في مراحل الخلق إلى أن صار رجلًا، بمعنى أن النطفة انتقلت إلى أن تكون علقة، ثم كانت مضغة، ثم ما كان بعد ذلك من مراحل، إلى أن تمت الولادة، وكان هذا الصبي إلى أن وصل إلى مرحلة الرجولة، فاختصر الرجل كل هذه المراحل وذكره بالبداية، وهي النطفة، والنطفة دليل على بداية الإنسان من شيء تافه حقير بسيط، قد يتقزز منه الإنسان، ومع ذلك نماه الله ووصل به إلى هذه المرحلة.
فولد هذا الإنسان فتدرج في مراحل الخلق إلى أن وصل إلى هذه المرحلة، وهو أنه أصبح رجلًا ينكر أن الله -سبحانه وتعالى- قد خلقه، أو ينكر البعث بعد الموت، ويعتقد أنه لو رجع إلى ربه، ولو كان القول بأن الساعة حق، فهناك لا بد أن يجد هناك الخير الكثير؛ لأنه يعيش في خير كثير في الدنيا، وفهم أنه سيعيش في هذا الخير هناك في الآخرة، وما أعظمها من موعظة بليغة في هذا الموقف!.