الصحابة؛ إذ لا يليق بسادة القوم أن يجلس معهم هؤلاء الضعاف والفقراء، مِن أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فنزل الوحي يرسي حقيقة الحياة بين الناس، ويبين أن القيمة الحقيقية للرجال في إيمانهم لا في أموالهم، ولا فيما ملكت أيديهم، وأن الإسلام ليس في حاجة إلى متكبرين ومتجبرين، يظنون أن قيمة الإنسان فيما يملك من حطام الدنيا، لا فيما استقر في وجدانه من معرفة الله، والعمل بكتابه وسنة نبيه.
وجاء التوجيه الإلهي لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا * وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا * إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا * أُولَئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِيَابًا خُضْرًا مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ نِعْمَ الثَّوَابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقًا} (الكهف: 28 - 31).
فهذا الحق الذي جاء به الوحي أبلج، فيه الرشد والفلاح والسعادة في الدنيا والآخرة، وقد أعطى الله الإنسان حرية الاختيار فيما يمكن الاختيار فيه، ومن ذلك اختياره للكفر والإيمان والحق والباطل والهدى والضلال، فأيهما يختار، لكن فليعلم أنه محاسب على اختياره، ولما كان المقام مقام إنذار وتخويف من الكفر وعاقبته، ذكر عاقبة من كفر أولًا، وسمى من كفر ظالمًا، وبيّن ما ينتظر هذا الظالم من سوء العذاب، فقال: {إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا}.