أمرهم مرفقًا، أي: أمرًا فيه الرفق بهم، والعناية بأمرهم حالًا ومآلًا، فهو رجاء منهم وثقة في فضل الله لهم وعليهم، لما كان منهم من إخلاص له وعبودية له ومفارقة لقومهم.
وإلى هنا تنتقل القصة إلى مشهد آخر، بعد أن تترك مساحة للعقل ليتدبر ويتساءل: ماذا كان من أمرهم؟ فيتصور أنهم لما قالوا ذلك وعزموا عليه، ولم تكن أمامهم فرصة للبقاء في المدينة، وهم على دينهم دين التوحيد لله رب العالمين، وأن الملك قد أمهلهم فترة ليرى ماذا سيصنعون، لا بد لهم إذًا من تنفيذ قرارهم على وجه السرعة حتى لا ينالهم سوء، فخرجوا ووصلوا إلى الكهف، ويبدو أن المسافة بين المدينة والكهف كانت شاسعة، فوصلوا إليه مجهدين، وما إن مست جنوبهم الأرض في الكهف حتى ضرب الله النوم عليهم، فعند ذلك تترك القصة المجال لكل هذه المشاهد لتصورهم في كهفهم وهم رقود، يغطون في نومهم، فتقول: {وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِنْهُ} (الكهف: 17) الآية والتي بعدها.
وتعجز آلات التصوير وفنانو الإخراج عن تصوير هذا المشهد، وإخراجه بهذه الطريقة الفذة التي صورها القرآن وأخرجها، فالآيتان تخاطب كل من يتأتى له الخطاب، وكأنها تضع الإنسان أي إنسان في كل زمان ومكان، أمام هذا المشهد، فتتجه بالخطاب إليه وتقول: {وَتَرَى الشَّمْسَ} (الكهف: 17) أي: إذا كنت حاضرًا عند هذا المكان، فإنك ترى الشمس إذا طلعت تزاور عن كهفهم ذات اليمين، وإذا غربت تقرضهم ذات الشمال وهم في فجوة منه، فباب الكهف كان مفتوحًا إلى جهة الشمال، فإذا طلعت الشمس كانت على يمين الكهف، وإذا غربت كانت على شماله، فضوء الشمس لم يكن يصل إلى داخل الكهف، إنما يصل إليه الهواء العليل، ذلك الذي كان دليل قدرة لله -سبحانه وتعالى، فذلك آية من آيات الله؛ إذ