الكريم، ويبين لماذا أعجز هذا القرآن الفصحاء والبلغاء من يوم نزوله، إلى وقت الناس هذا، وسوف يظل كذلك إلى آخر الزمان، والآن إلى قصة أصحاب الكهف، فماذا فيها من حسن العرض وتوفية الغرض، وماذا فيها من الدروس النافعة والعظات البالغة؟.
إنها تُعرض في فصول متتابعة، لا على طريقة ما تراه في بناء القصة في غير القرآن، لكنها فصول ومراحل وفقرات تنساب في الوجدان، دون أن تلمح أثرًا لنبوة أو توقفًا أو انتقالًا من فصل إلى فصل، أو من مرحلة إلى مرحلة، إنما هي آيات تترى عذبة المعاني، حلوة الكلمات، في ألفاظها جمال اللفظ وروعته، تنتقل مع هذه الآيات في مراحلها، حتى توقفك في النهاية عند نهاية القصة، فتكشف لك اللثام عن نهاية كنت تنتظرها، وتتساءل عنها، فإذا بها تراها مشرقة في القلب والعقل، بكل ما في القصة من عبر ودروس، أراد الله أن نتعلمها وأن ننفعل بها لتكون لنا درسًا نافعًا وعظة بالغة.
لقد بدأ الشوط الأول في القصة بالتشويق، كما ذكرنا في هذا السؤال الذي يربط مطلع القصة وما فيها من أحداث، بما سبق في السورة من آيات، ذلكم حيث يقول ربنا: {أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا} (الكهف: 9) فهناك ما هو أعجب من ذلك فيما تراه كما قلنا من الآيات البينات، التي أوحيناها إليك في طريقة إنزالها ومجيء المَلك بها، وما فيها من ألوان الإعجاز البلاغي والغيبي والعلمي والتاريخي، وما إلى ذلك مما يدل على أنها من لدن العليم الخبير، وأنك رسول الله الذي أرسله للناس بشيرًا ونذيرًا.
وهناك ما هو أعظم في التعجب منه من أمر أصحاب الكهف والرقيم، فيما تشاهده من آيات الله المبثوثة في الأنفس والآفاق، وبهذا التشويق تبدأ القصة،