من أعداء بني إسرائيل، وأجمع أمر مجلس فرعون على قتل موسى، فخرج خائفًا يترقب إلى أن وصل إلى هذا المكان، ورأى شعيب صدق هذا الشاب، وانبرت إحدى الفتاتين تقول لأبيها: {يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ} (القصص: 26) وهنا وقد انتهت أيام المحن وبدأت أيام المنن، فعاش موسى آمنًا مطمئنًا في كنف هذا الشيخ العظيم ووفى بما عاهد عليه.
ولما قضى موسى الأجل وعاد بأهله إلى مصر ليرى أهله هناك، كان هذا الاختيار الإلهي العظيم للرسالة والنبوة، ونودي موسى من شاطئ الوادي الأيمن في البقعة المباركة من الشجرة، أن يا موسى إني أنا الله رب العالمين، وتذكر الآيات ما كان من أمر الله مع موسى، وأن الله أرسله لفرعون، وماذا كان من أمر فرعون حين جاءه موسى بالآيات البينات، وأن فرعون كما قال تعالى: {وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنَا لَا يُرْجَعُونَ * فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ} (القصص: 39، 40) فانظر أيها المشاهد ويا من له النظر كيف كان عاقبة الظالمين، وجعلناهم أي: جعلنا فرعون وجنوده أئمة يدعون إلى النار ويوم القيامة لا ينصرون {وَأَتْبَعْنَاهُمْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ هُمْ مِنَ الْمَقْبُوحِينَ * وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ مِنْ بَعْدِ مَا أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الْأُولَى بَصَائِرَ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ} (القصص: 42، 43).
أردت أن ألتزم بكلمات القرآن في أغلب ما ذكرنا من هذه القصة؛ لنرى عظمة القرآن الكريم في سرده لأحداث قصصه، وأنه في أسلوبه المعجز لا يصل إلى شأوه أحد، ولا يستطيع أن يجاريه أحد، فهذا تنزيل من العليم الخبير من رب العالمين، يسوق الله هذا بيانًا لرسوله -صلى الله عليه وسلم- وللمؤمنين معه ليكون في هذا القصص العبرة والعظة، فماذا يمكن أن نلتقط من الدروس النافعة والعبر والعظات البليغة، فيما ذكر الله من أحداث هذه القصة في سورة "القصص".