قال: استمع الناس لقوله؛ لما يرون فيه من صدق اللهجة وحسن الأدب وقوة البيان والقدرة على الإقناع، إنها عوامل مشتركة، تؤدي في النهاية إلى القيام بهذا الأمر على أحسن الوجوه، وهذا يجعلنا نتساءل عمّن له الحق في أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، وهناك فرق بين من له الحق في ذلك ومن يجب عليه القيام به، وهذا شأن ما جاء من تكاليف شرعية، تراها واجبة على أناس تحققت فيهم شروط الوجوب، وبقي الباب مفتوحًا لغيره؛ كما ترى في وجوب الصلاة على المسلم البالغ العاقل، فلو أداها صبي دون البلوغ صحّت منه، وهكذا في الصيام والحج وغير ذلك.
فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب على كل مسلم مكلف قادر على ذلك، كل بحسب قدرته، كما بيّن ذلك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في قوله: ((من رأي منكم منكرًا فليغيره بيده)) إلى آخر الحديث، واشترط قوم العدالة، فإن فاقد الشيء لا يعطيه، والواقع في المعاصي كيف تقبل نصيحته لغيره في ترك المعاصي، وقد عاب الله على المؤمنين أن يقولوا ما لا يفعلون فقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ} (الصف: 3).
وقال مؤنّبًا أهل الكتاب من بني إسرائيل: {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ} (البقرة: 44). وقال -صلى الله عليه وسلم-: ((مررت ليلة أسري بي على قوم تقرض شفهاهم بمقاريض من نار، قلت: ما هؤلاء؟ قال: هؤلاء خطباء أمتك من أهل الدنيا، كانوا يأمرون الناس بالبر وينسون أنفسهم، وهم يتلون الكتاب، أفلا يعقلون)) والواقع أنّ هذا شرط كمال. ومن الأدب أن يكون من يأمر غيره بمعروف، أو ينهاه عن منكر، هو أول من يأتمر بما أمر به وينتهي عما نهى عنه، وما عاب الله على هؤلاء أنهم يأمرون بالمعروف