إذا نظرنا إلى هذه الأقوال التي ذكرها أئمة اللغة نرى أن العشرة: مخالطة بين أناس، هذه المخالطة تعنى الكثرة، وفي الكثرة قوة، وهذه المخالطة تؤدي إلى التجاذب والتصافي والمودة والمحبة، وهذه حال الأصدقاء والأزواج، بالمخالطة تقاربت المشاعر واختلطت الأحاسيس، مما يجعل كل طرف يحن للآخر إذا غاب عنه، ويشتاق إليه إذا بعد عنه، وبهذه المعاشرة يحيا الناس في أسرهم ومع أهاليهم وفي بيوتهم ومع أزواجهم في مودة ومحبة، ويتحقق للزوجين على وجه الخصوص ما شرع الله الزواج من أجله، وهو السكن والمودة والرحمة.
ولكن هذه المخالطة بكل ما فيها من إحساس بالأنس والاطمئنان والقوة -التي هي من مقتضيات الجماعة- قد تؤدي إلى تعارض المصالح وتنافر الطباع، مما يؤدي إلى التعادي والتناكر. قد رأينا قول زهير:
...................... ... وفي طول المعاشرة التقالي
ولذلك جاءت الآيات والأحاديث وأقوال السلف ترغب في أن تكون المعاشرة بالمعروف؛ لأنها إذا كانت بغير المعروف كانت بلاء شديدًا يجلب الأمراض والهموم، ويؤدي إلى تشريد الأبناء والقضاء على كل أسباب السعادة، كما ترى في البيوت التي يدب فيها دبيب الشقاق والخلاف وتنافر الطباع.
الآيات الواردة في كتاب الله ليس فيها ما يتحدث عن عشرة الرجل مع زوجه إلا ما جاء من قول الله تعالى: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا} (النساء: 19) وما عدا ذلك حديث عن عشيرة الرجل الذين هم أهله، وهذا ما تراه في قول الله تعالى: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} (الشعراء: 214).
وفي قوله: {قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ