أما الأساس الثالث: فهو الإحساس بعمق هذه العلاقة وأصالتها، وأنها علاقة يشعر فيها كل من الزوجين بأنه جزء من الأخر يحنّ إليه وينجذب إليه، فالرجل مهما حصل من مال وجاه، ووفر لنفسه من ألوان المتع المادية لا يستغني عن زوجة صالحة تعينه على أمر دينه ودنياه، وتؤنسه في وحدته، وتُذهب عنه وحشته، وكذلك الفتاة في حاجة إلى زوج تعيش معه أيام العمر، وإن عانت معه مشقات الحياة مع أن أبويها ربما كان على حال من اليسار فغمروها بالمال والمتاع، فليست في حاجة إلى مال ولا إلى متاع، ولكنها في الحقيقة في حاجة إلى شريك العمر تشاركه أيام عمرها، وأيام عمره، وقد جاءت الآيات تذكر أن الله خلق الناس من نفس واحدة، وأنه خلق منها أو جعل منها زوجها ليسكن إليها.
وقد ذكرنا الآية الأولى في سورة "النساء" والتي ينادي فيها ربنا الإنسانية لتئوب إلى واحة التقوى بتوحيد الله في ربوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته، وأن تلتزم بما ينبني على هذا التوحيد من أخلاق وآداب وعبادات ومعاملات، وما إلى ذلك مما جاءت به شريعة الله، وتوضح الآية سبب استحقاق الله لأن يعبد وحده، فتذكر أنه الخالق للناس وحده، وفي كيفية خلق الناس دليل على قدرته وعلمه وحكمته، وما اتصف به من صفات الجلال والكمال؛ إذ خلق الناس من نفس واحدة هي آدم -عليه السلام- وقد ذكر في عدة مواضع من القرآن كيف خلق آدم، ومن آدم خلق حواء، خلقها من ضلع آدم الأيسر فوجدها آدم بجانبه، فأنس لها وسكن إليها قال تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا} (الأعراف: 189)، وقال: {خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقًا مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلَاثٍ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ} (الزمر: 6).