وهكذا لو تتبعنا عادات الشعوب والأمم، وما وضعته من قوانين تحكم حياتها، لوجدنا أمورًا لا يصدقها عقل راجح وفكر صائب، ولا يرتضيها دين، ولذلك لا بُدّ من أن تكون المرجعية أولًا لما ورد في كتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم، في تحديد ما يُفعَل وما لا يفعل، وما يفعل قد يكون واجبًا أو مندوبًا أو مباحًا، وما لا يفعل قد يكون نهي تحريم أو نهي تنزيه، وهكذا، وما يأتي به دين الله في التحريم والتحليل، وما يذكره من أنّ مِن المعروف وهذا من المنكر، لا يتعارض مع ما ترتضيه العقول السليمة والفطر المستقيمة، ولعلكم لا ترضون معي ما ذكره الراغب في مفرداته، وذكره غيره، من أن المعروف اسم لكل فعل يعرَف بالعقل أو الشرع حسنه، وأن المنكر ما ينكر بهما؛ لأنّ الشرع هو الأصل، ولأن العقل تابعًا له، والعقل لا ينفرد بالحكم على الفعل بالحسن أو القبح؛ لأنه لا يستطيع ذلك، إنما يهديه ويرشده نور وحي الإلهي.
ومن نور الوحي الإلهي ما جاء في السنة المطهرة، من ترغيب وحثٍّ على القيام بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وقد وردت جملة من الأحاديث في ذكر ذلك، فلنذكر بعضها:
روى الإمام البخاري بسنده، عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إياكم والجلوس على الطرقات، فقالوا: ما لنا بد، إنما هي مجالسنا نتحدث فيها، قال: فإذا أبيتم إلّا المجالس فأعطوا الطريق حقها، قالوا: وما حق الطريق؟ قال: غض البصر، وكف الأذى، ورد السلام، وأمر بالمعروف، ونهي عن المنكر)) وروى بسنده عن أسامة بن زيد -رضي الله عنهما- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((يجاء بالرجل يوم القيامة فيلقى في النار، فتندلق أقطابه في النار فيدور كما يدور