أرأيتهم هذه الصورة الرائعة الجميلة في الإيثار التي كان عليها سلف هذه الأمة، فكان من أمرهم ما نرى من عزة ومن كرامة -عليهم جميعًا رضوان الله.
أيضًا فيما ذكره الإمام الغزالي نذكر بعض ما قاله في سخاوة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وجوده، فهذا أيضًا عنوان الإيثار يقول: كان -صلى الله عليه وسلم- أجود الناس وأسخاهم، وكان في شهر رمضان كالريح المرسلة، لا يُمسك شيئًا. ويقول: كان علي -رضي الله عنه- إذا وصف النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((كان أجود الناس كفًّا، وأوسع الناس صدرًا، وأصدق الناس لهجةً، وأوفاهم ذمة، وألينهم عريكة، وأكرمهم عشيرة، من رآه بديهة هابه، ومن خالطه معرفة أحبه))، يقول ناعته -أي: واصفه-: ((لم أر قبله ولا بعده مثله، وما سئل عن شيء قط على الإسلام إلا أعطاه، وأن رجلًا أتاه فسأله فأعطاه غنمًا سدَّت ما بين جبلين، فرجع إلى قومه وقال: أسلموا فإن محمد يعطي عطاء من لا يخشى الفاقة، وما سئل شيئًا قط فقال: لا. وحُمل إليه تسعون ألف درهم فوضعها على حصير ثم قام إليها فقسمها ما رد سائلًا حتى فرغ منها، وجاء رجل فسأله فقال: ما عندي شيء ولكن ابتع عليّ، فإذا جاءنا شيء قضيناه فقال عمر يا رسول الله: ما كلفك الله ما لا تقدر عليه، فكره النبي -صلى الله عليه وسلم- ذلك، فقال الرجل: أنفق ولا تخشى من ذي العرش إقلالًا، فتبسم النبي -صلى الله عليه وسلم)).
أرأيتم هذا الخلق وهذا الإيثار وهذا الجود وهذا الكرم الذي علَّمه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لأمته، وقد صدق فيه قول الله -عز وجل-: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} (القلم: 4).
يبقى لنا أن نعيش سويًّا فيما كتبته في حقوق الأخوة، والتي قسمتها إلى أربعة أقسام: أخوة الإنسان مع أخيه الإنسان، وهي التي تُعرف بالأخوة الإنسانية، وهناك أخوة النسب من نُنسب إليه وينسب إلينا من الآباء والأمهات والأحباب