المغفرة والرحمة، فلا يعاقب بعد التوبة. قال ابن كثير: هذه الآية الكريمة دعوة لجميع العصاة من الكفرة وغيرهم إلى التوبة والإنابة، وإخبار بأن الله تبارك وتعالى يغفر الذنوب جميعا لمن تاب منها، ورجع عنها، وإن كانت مهما كانت، وإن كثرت وكانت مثل زبد البحر، ولا يصح حمل هذه على غير توبة، لأن الشرك لا يغفر لمن لم يتب منه (?) .
وقال الشوكاني: وهذه الآية أرجى آية في كتاب الله، لاشتمالها على أعظم بشارة، فإنه أولا أضاف العباد إلى نفسه، لقصد تشريفهم ومزيد تبشيرهم، ثم وصفهم بالإسراف في المعاصي والاستكثار من الذنوب، ثم عقّب ذلك بالنهي عن القنوط من الرحمة لهؤلاء المستكثرين من الذنوب، فالنهي عن القنوط للمذنبين غير المسرفين من باب الأولى وبفحوى الخطاب، ثم جاء بما لا يبقى بعده شك:
إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ ...
وتقييد المغفرة بالتوبة والإنابة وإخلاص العمل مأخوذ من الآية التالية:
وَأَنِيبُوا إِلى رَبِّكُمْ.. الآية ومن الأحاديث المتقدمة في سبب النزول، فباب الرحمة واسع، كما قال تعالى: أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ [التوبة 9/ 104] وقال سبحانه: وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ، ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ، يَجِدِ اللَّهَ غَفُوراً رَحِيماً
[النساء 4/ 110] .
أخرج الطبراني عن سنيد بن شكل قال: سمعت ابن مسعود يقول: إن أعظم آية في كتاب الله: اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ [البقرة 2/ 255 وآل عمران 3/ 2] . وإن أجمع آية في القرآن بخير وشر: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ [النحل 16/ 90] . وإن أكثر آية في القرآن فرجا في سورة الغرف (أي الزمر) : قُلْ: يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ.