وَجاءَ مِنْ أَقْصَا الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعى هو حبيب بن موسى النجار، كان قد آمن بالرسل أصحاب عيسى، ومنزله بأقصى البلد أي أبعد مواضعها، قال قتادة: «كان يعبد الله في غار، فلما سمع بخبر الرسل جاء يسعى» أي يشتد عدوا لما سمع بتكذيب القوم للرسل. وَما لِيَ لا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي المعنى: أيّ مانع يمنعني من عبادة الذي خلقني، وكذلك أنتم، ما لكم لا تعبدون الله الذي خلقكم؟! وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ بعد الموت، فيجازيكم بكفركم.

أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً استفهام بمعنى النفي، أي لن أتخذ من غير الله الهة هي الأصنام، فأعبدها وأترك عبادة من يستحق العبادة، وهو الذي فطرني. لا تُغْنِ عَنِّي شَفاعَتُهُمْ شَيْئاً أي لا تفيدني شيئا من النفع، كائنا ما كان. وَلا يُنْقِذُونِ لا يخلصوني من الضر الذي أرادني الرحمن به. إِنِّي إِذاً أي: إذا اتخذت من دونه آلهة. لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ واضح، وهذا تعريض بهم. إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ آمنت بالذي خلقكم، فاسمعوا إيماني، فرجموه فمات. وهذا تصريح بعد التعريض تشددا في الحق.

قِيلَ: ادْخُلِ الْجَنَّةَ قيل له عند موته: ادخل الجنة، تكريما له بدخولها بعد قتله، كما هي سنة الله في الشهداء. قالَ: يا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ بِما غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ تمنى أن يعلموا بحاله، ليعلموا حسن مآله، وحميد عاقبته، فيؤمنوا مثل إيمانه.

المناسبة:

بعد بيان حال مشركي العرب الذين أصروا على الكفر، ضرب الحق تعالى لهم مثلا يشبه حالهم في الإفراط والغلو في الكفر وتكذيب الدعاة إلى الله، وهو حال أهل قرية أنطاكية شمال سورية على ساحل البحر المتوسط الذين كذبوا الرسل فدمرهم الله بصيحة واحدة، فإذا استمر المشركون على عنادهم واستكبارهم، كان إهلاكهم يسيرا كأهل هذه القرية، وتكون قصتهم مع رسل الله، كقصة قوم النبي صلّى الله عليه وسلّم معه.

التفسير والبيان:

وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا أَصْحابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جاءَهَا الْمُرْسَلُونَ أي واضرب مثلا في الغلو والعناد والكفر يا محمد لقومك الذين كذبوك بأهل قرية أنطاكية، حين

طور بواسطة نورين ميديا © 2015