ما دخل على يوسف من البلاء- فيما بلغني- أن عمته ابنة إسحاق، وكانت أكبر ولد إسحاق، وكانت عندها منطقة إسحاق، وكانوا يتوارثونها بالكبر، وكان من اختبأها ممن وليها، كان له سلما لا ينازع فيه، يصنع فيه ما يشاء، وكان يعقوب حين ولد له يوسف قد حضنته عمته، وكان لها به وله، فلم تحب أحدا حبها إياه، حتى إذا ترعرع وبلغ سنوات، تاقت إليه نفس يعقوب عليه السلام، فأتاها، فقال: يا أخية، سلّمي إليّ يوسف، فو الله ما أقدر على أن يغيب عني ساعة، قالت: فو الله، ما أنا بتاركته، ثم قالت: فدعه عندي أياما، أنظر إليه، وأسكن عنه، لعل ذلك يسليني عنه.
فلما خرج من عندها يعقوب، عمدت إلى منطقة إسحاق، فحزمتها على يوسف من تحت ثيابه، ثم قالت: فقدت منطقة إسحاق عليه السلام، فانظروا من أخذها ومن أصابها؟ فالتمست ثم قالت: اكشفوا أهل البيت، فكشفوهم، فوجدوها مع يوسف، فقالت: والله، إنه لي لسلم أصنع فيه ما شئت، فأتاها يعقوب، فأخبرته الخبر، فقال لها: أنت وذلك، إن كان فعل ذلك، فهو سلم لك، ما أستطيع غير ذلك، فأمسكته، فما قدر عليه يعقوب حتى ماتت، قال:
فهو الذي يقول إخوة يوسف، حين صنع بأخيه ما صنع حين أخذه: إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ.
فَأَسَرَّها يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ أي فأخفى في نفسه مقالتهم هذه، أو أخفى الجملة أو الكلمة التي بعدها وهي قوله: أَنْتُمْ شَرٌّ مَكاناً ...
وَلَمْ يُبْدِها لَهُمْ أي لم يظهر ما في نفسه من مؤاخذتهم بمقالتهم، بل صفح عنهم.
قالَ: أَنْتُمْ شَرٌّ مَكاناً أي وقال لهم في نفسه دون إعلان لهم: أنتم شر مكانا ومنزلة ممن تتهمونه بالسرقة، إذا أنكم سرقتم من أبيكم أخاكم، وطرحتموه في البئر، بقصد الهلاك والتخلص منه.