وسبب ذلك التدبير الخفي أن يوسف ما كان يتمكن من أخذ أخيه في حكم ملك مصر الذي لا يبيح استرقاق السارق، ولكن قيض الله له أن التزم له إخوته بما التزموه وهو أن يستعبد السارق، وهو كان يعلم ذلك من شريعتهم، ولهذا مدحه الله تعالى بقوله: نَرْفَعُ دَرَجاتٍ مَنْ نَشاءُ بالعلم، كما قال تعالى:
يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجاتٍ [المجادلة 58/ 11] .
وقوله: إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ استثناء من أعم الأحوال أي ما كان ليأخذ أخاه في نظام الملك في حال من الأحوال إلا في حال مشيئة الله، فإنه فعل ذلك بإذن الله ووحيه، مما يدل على أن تلك الحيلة بإقرار الشرع، ووحي الله تعالى.
وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ أي فوق كل عالم من هو أعلم منه، قال الحسن البصري: ليس عالم إلا فوقه عالم حتى ينتهي إلى الله عز وجل. فإذا كان إخوة يوسف علماء فإن يوسف كان أعلم منهم.
أرشدت الآيات إلى ما يأتي:
1- كانت فرحة غامرة من أفراح العمر لقاء الأخوين: يوسف وبنيامين، فضم يوسف أخاه إليه، وتعرّف عليه بعد فراق دام أكثر من ربع قرن، وتواطأ معه على خطة إبقائه لديه.
2- دل قول يوسف لأخيه فَلا تَبْتَئِسْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ على التحلي بصفة العفو والتسامح، وإظهار الحب والود لإخوته، ونسيان الماضي وتجاوز أخطائهم معه في مقتبل العمر.
3- كان وضع الصواع في رحل بنيامين بأمر يوسف عليه السلام تعليما