لا تَدْخُلُوا مصر. وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوابٍ مُتَفَرِّقَةٍ لأنهم كانوا ذوي جمال وأبهة مشتهرين في مصر بالكرامة والحظوة عند العزيز، فخاف عليهم أن يدخلوا جماعة واحدة فتصيبهم العين.
ولعله لم يوصهم بذلك في المرة الأولى، لأنهم كانوا مجهولين حينئذ. وَما أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ أي وما أدفع عنكم بقولي ذلك شيئا قدره الله عليكم وقضاه، وإنما ذلك شفقة، فإن الحذر لا يمنع القدر. ومن: صلة زائدة لتمكين النفي.
إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أي ما الحكم إلا لله وحده، يصيبكم لا محالة إن قضي عليكم سوء، ولا ينفعكم ذلك. عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ به وثقت. فَلْيَتَوَكَّلِ الفاء لإفادة التسبب، فإن فعل الأنبياء سبب لأن يقتدى بهم. والواو في قوله وَعَلَيْهِ للعطف، وقدم عَلَيْهِ في عطف الجملة على الجملة للاختصاص.
مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُمْ أي من أبواب متفرقة في البلد. ما كانَ يُغْنِي عَنْهُمْ مِنَ اللَّهِ أي ما كان يفيد رأي يعقوب واتباعهم له مما قضاه الله عليهم شيئا، فحدث وضع الصواع في رحل بنيامين، وتضاعفت المصيبة على يعقوب.
إِلَّا حاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضاها استثناء منقطع، أي ولكن حاجة في نفسه يعني شفقته عليهم وحرصه على ألا يعانوا (تصيبهم العين) وقضاها أي أظهرها، ووصى بها. وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِما عَلَّمْناهُ
إن يعقوب عليم بحقائق الأمور وأن العين لا توقع ضررا إلا بإذن الله، لتعليمنا إياه بالوحي وإقامة الحجج، ولذلك قال: وَما أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ ولم يغتر بتدبيره.
وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ وهم الكفار. لا يَعْلَمُونَ سر القدر، وأنه لا يغني عنه الحذر، وأن الحكم لله. وهذا ثناء من الله على يعقوب عليه السّلام.
بعد أن أبان الله تعالى موافقة يعقوب على إرسال بنيامين مع إخوته إلى مصر، ذكر هنا وصيته لأولاده لما عزموا على الخروج إلى مصر، وهي الدخول من أبواب متفرقة، ليروا مدى الاهتمام والاستقبال لكل واحد منهم حين رؤية بنيامين شقيق يوسف، أو لئلا يحسدهم الحساد، وتصيبهم العين جميعا.