وَقالَ الْمَلِكُ بعد ما جاءه الرسول بتعبير الرؤيا وأخبره بتأويلها ائْتُونِي بِهِ أي بالذي عبرها فَلَمَّا جاءَهُ الرَّسُولُ أي لما جاء الرسول إلى يوسف وطلبه للخروج قالَ قاصدا إظهار براءته فَسْئَلْهُ اطلب منه أن يسأل ما بالُ النِّسْوَةِ.. أي ما حال النسوة الذي يشغل البال إِنَّ رَبِّي سيدي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ حين قلن لي: أطع مولاتك، وفيه تعظيم كيدهن والاستشهاد بعلم الله عليه، وعلى أنه بريء مما قذف به، والوعيد لهن على كيدهن، فرجع فأخبر الملك فجمعهن. وإنما تريث يوسف في الخروج، وقدم سؤال النسوة ليظهر براءته، ويعلن أنه سجن ظلما، وهذا يدل على أنه ينبغي على المرء أن يجتهد في نفي التهم، ويتقي مواضعها. وإنما قال: فَسْئَلْهُ ما بالُ النِّسْوَةِ ولم يقل: فاسأله أن يفتش عن حالهن، إغراء له بالبحث وتحقيق الحال. وإنما لم يتعرض لسيدته مع ما صنعت به كرما ومراعاة للأدب.
ما خَطْبُكُنَّ ما شأنكن وأمركن العظيم، والخطب: أمر يحق أن يخاطب به صاحبه إِذْ راوَدْتُنَّ يُوسُفَ عَنْ نَفْسِهِ هل وجدتن منه ميلا إليكن حاشَ لِلَّهِ تنزيه لله وتعجب من قدرته على خلق عفيف مثله مِنْ سُوءٍ ذنب حَصْحَصَ الْحَقُّ ظهر الحق وثبت واستقر وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ في قوله: هي راودتني عن نفسي.
فأخبر يوسف بذلك فقال: ذلِكَ لِيَعْلَمَ أي طلب البراءة والتثبيت ليعلم العزيز أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ لم أخنه في أهله بظهر الغيب أي وراء الأستار والأبواب المغلقة وَأَنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي كَيْدَ الْخائِنِينَ لا ينفذه ولا يسدده، أو لا يهدي الخائنين بكيدهم، فأوقع فعل يَهْدِي على الكيد مبالغة. وفيه تعريض بامرأة العزيز: زليخا أو راعيل في خيانتها زوجها وتوكيد لأمانته.
بعد أن عاد الساقي إلى الملك يخبره بتعبير يوسف عليه السّلام للرؤيا، استحسنه، وطلب الملك رؤيته حتى يتحقق بنفسه صدق ما تشير إليه الرؤيا، إذ ليس الخبر كالعيان.
وهذا الطلب يدل على فضيلة العلم، وأن العلماء يستشارون في مهام الأمور، وأن العلم كان سببا لخلاص يوسف من المحنة الدنيوية، وهو أيضا سبب للخلاص من المحن الأخروية، لذا طلب يوسف التحقيق في التهمة المشهورة:
تهمة امرأة العزيز له.