ثم قال تعالى: وَاللَّهُ غالِبٌ عَلى أَمْرِهِ.. لا يعجزه شيء، فلا يمنع عما يشاء، ولا ينازع فيما يريد، إذا أراد شيئا فلا يرد ولا يمانع ولا يخالف، بل هو الغالب، وهو الفعال لما يشاء، كما قال سعيد بن جبير: «ولكن أكثر الناس لا يدرون حكمته في خلقه وتلطفه وفعله لما يريد، ويأخذون بظواهر الأمور، كما ظن إخوة يوسف أنه لو أبعد خلالهم وجه أبيهم، وكانوا من بعده قوما صالحين» .
وقوله: أَكْثَرَ النَّاسِ دليل على أن الأقل يعلمون الحقائق كيعقوب عليه السّلام، الذي يعلم أن الله غالب على أمره.
ثم بيّن الله تعالى ما جازى به يوسف لما صبر على إساءة إخوته إليه، وعلى الشدائد والمحن التي مرّ بها، فمكنه الله تعالى في الأرض، وهو القدرة التي أشرنا إليها، ولما بلغ أشده آتاه الله النبوة التي عبر عنها بالحكم والعلم، وهي أكمل درجات العلم، فقال: وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ.. أي ولما استكمل يوسف قواه الجسمية والعقلية، آتيناه حكما وعلما، أي النبوة التي حباه بها بين أولئك الأقوام، كالجزاء على صبره على تلك المحن وعلى الأعمال الحسنة.
واكتمال الرشد وبلوغ الأشد: ما بين الثلاثين والأربعين، فقال جماعة:
ثلاث وثلاثون سنة، أو بضع وثلاثون، وقال الحسن: أربعون سنة. وقال عكرمة وهو تقدير الأطباء: خمس وعشرون سنة.
وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ أي ومثل ذلك الجزاء، نجزي المحسنين الذين يحسنون لأنفسهم أعمالهم. وهذا دليل على أن يوسف عليه السّلام كان محسنا في عمله، عاملا بطاعة الله تعالى، وأن ما آتاه الله من سلطان ونفوذ، وعلم وحكمة، ونبوة ورسالة كان جزاء على إحسانه في عمله، وتقواه في حال شبابه، إذ للإحسان تأثير في صفاء العقول، وللإساءة تأثير في تعكير النفوس وسوء فهم الأمور.