وَأَسَرُّوهُ بِضاعَةً المراد بالواو: التجار، والمراد بالهاء: يوسف، أخفوه من الرفقة، وقيل: أخفوا أمره ووجدانهم له في البئر، وقالوا لهم: دفعه إلينا أهل الماء، لنبيعه لهم بمصر. وعن ابن عباس: أن الضمير لإخوة يوسف قالوا للتجار: هذا غلام لنا قد أبق، فاشتروه منا، وسكت يوسف مخافة أن يقتلوه. وذلك لأن يهوذا كان يأتيه بالطعام كل يوم، فأتاه يومئذ، فلم يجده، فأخبر إخوته، فأتوا الرفقة، وساوموهم على بيعه لهم، فاشتروه منهم.
وبِضاعَةً منصوب على الحال من يوسف، ومعناه: مبضوعا، أي أخفوه متاعا للتجارة.
دَراهِمَ بدل من «ثمن» . ومِنَ الزَّاهِدِينَ في موضع نصب خبر كان. وفِيهِ متعلق بفعل دل عليه من الزَّاهِدِينَ، ولا يجوز أن يتعلق بالزاهدين لأن الألف واللام فيه بمعنى الذي، وصلة الاسم الموصول لا يعمل فيما قبله.
سَيَّارَةٌ جمع مسافرون معا، كالكشافة والتجار، وكانوا قوما مسافرين من مدين إلى مصر وارِدَهُمْ هو الرائد الذي يرد الماء أو يبحث عنه ليستقي للقوم، وهو مالك بن دعر الخزاعي من العرب العاربة. فَأَدْلى دَلْوَهُ فأرسل دلوه في الجب ليملأها، فتدلى بها يوسف، والدلو: إناء يستقى من البئر يا بُشْرى نادى البشرى بشارة لنفسه أو لقومه، كأنه تعالى قال:
فهذا أوانك، كما تقول: يا هناي، ويكون هذا النداء مجازا، أي احضري فهذا وقتك.
وَأَسَرُّوهُ أخفوه وأخفوا أمره عن الرفاق بِضاعَةً أي أخفوه حال كونهم جاعليه متاعا للتجارة. والبضاعة: ما بضع من المال للتجارة، أي قطع وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِما يَعْمَلُونَ لم يخف عليه إسرارهم وَشَرَوْهُ باعوه لأن لفظ الشراء والبيع من ألفاظ الأضداد، فيقال: اشتراه أي ابتاعه، وشراه: باعه بَخْسٍ مبخوس أي ناقص ومعيب، ومنه قوله تعالى: وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْياءَهُمْ [الأعراف 7/ 85 وغيرها] والمراد بالبخس هنا قول الحرام أو الظلم لأنه بيع حر، والأصح أن المراد به الناقص عن ثمن المثل مَعْدُودَةٍ قليلة، قيل: كان عشرين درهما أو اثنين وعشرين وَكانُوا فِيهِ في يوسف مِنَ الزَّاهِدِينَ الراغبين عنه. والضمير إن كان للإخوة فظاهر، وإن كان للرفقه التجار، فزهدهم فيه لأنهم التقطوه، والملتقط للشيء متهاون به، مستعجل في بيعه. وباعته السيارة في مصر للذي اشتراه بعشرين دينارا وزوجي نعل وثوبين.
بعد أن بيّن الله تعالى ما فعله إخوة يوسف بإلقائه في أعماق الجب (البئر)