هذه الآيات في بيان إعجاز القرآن، وكونه كلام الله، وهذا من أصول الدين، وقد تكرر هذا المعنى في القرآن لإثبات أنه من عند الله تعالى، وليس من عند النبي صلى الله عليه وسلّم، وإنما هو معجزة خالدة تشهد بصدق النبي صلى الله عليه وسلّم، وهو معنى قول الله
في الحديث القدسي: «صدق عبدي في كل ما يبلغه عني» .
ومعنى الآية: ما شأن القرآن وما ينبغي أن يختلق من غير الله لأنه بفصاحته وبلاغته، ووجازته وحلاوته، وإخباره عن المغيبات، وأصالة تشريعه، واشتماله على المعاني الغزيرة النافعة في الدنيا والآخرة، لا يكون إلا من عند الله تعالى، فهو كلامه الذي لا يشبه كلام المخلوقين، ولا يقدر أحد إلا الله أن يجاريه أو يعارضه.
وقد ثبت أن أبا جهل قال: إن محمد لم يكذب على بشرط، أفيكذب على الله؟
وإنه مطابق ومصدّق لما تقدمه من الكتب الإلهية المنزلة على الرسل، كإبراهيم وموسى وعيسى، وموافق لها في الدعوة إلى أصول الدين من التوحيد والإيمان بالله واليوم الآخر، وصالح الأعمال، وفضائل الأخلاق، وهو أيضا مهيمن عليها، ومبيّن كاشف لما وقع فيها من تحريف وتبديل، كما قال تعالى:
وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ، مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتابِ، وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ [المائدة 5/ 48] .
وَتَفْصِيلَ الْكِتابِ أي وبيان الأحكام والشرائع، والحلال والحرام، والعبر والمواعظ، والآداب والأخلاق الشخصية والاجتماعية، بيانا شافيا كافيا.
لا رَيْبَ فِيهِ أي لا شك فيه أبدا، ولا ينبغي لعاقل أن يرتاب فيه، لوضوحه، وبيانه الحق والهدى والصواب.