وَجَرَيْنَ بِهِمْ فيه التفات عن الخطاب إلى الغيبة، لزيادة التقبيح والتشنيع على الكفار، لعدم شكرهم النعمة، وللتعجب من حالهم والإنكار عليهم.
أَذَقْنَا أصل الذوق: إدراك الطعم بالفم، ويستعمل مجازا في إدراك غيره من الأشياء المعنوية كالرحمة والنعمة، والعذاب والنقمة. النَّاسَ أي كفار مكة رَحْمَةً مطرا وخصبا وصحة وسعة مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ بؤس، وجدب أو قحط، ومرض مَكْرٌ فِي آياتِنا بالطعن فيها والاحتيال في دفعها بالاستهزاء والتكذيب قُلِ لهم اللَّهُ أَسْرَعُ مَكْراً المكر: التدبير الخفي الذي يفضي بالغير إلى مالا يتوقعه، والمراد هنا: مجازاة أو جزاء على المكر، أو المراد الاستدراج إِنَّ رُسُلَنا الحفظة الكرام الكاتبين من الملائكة.
يُسَيِّرُكُمْ يسخّر لكم، أو يعطيكم أداة السير من سفينة أو دابة أو سيارة أو طائرة ونحوها، أو يحملكم على السير ويمكنكم منه، والتسيير بإيجاز: التمكين من الانتقال بالنفس أو بالواسطة الْفُلْكِ السفن أو السفينة، جمعا أو واحدا بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ لينة، والطيب من كل شيء: ما يوافق الغرض والمنفعة، يقال: رزق طيب، ونفس طيبة، وشجرة طيبة جاءَتْها الضمير للفلك أو الريح الطيبة أي تلقتها رِيحٌ عاصِفٌ شديدة الهبوب، تكسر كل شيء، وذات عصف أُحِيطَ بِهِمْ أي أهلكوا مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الدعاء مِنْ هذِهِ الأهوال الشَّاكِرِينَ الموحدين.
فَلَمَّا أَنْجاهُمْ إجابة لدعائهم إِذا هُمْ يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أي فاجؤوا الفساد فيها وسارعوا إلى ما كانوا عليه، والبغي: الزيادة على القصد والاعتدال حتى الوقوع في الفساد والظلم، كالشرك، وبغير الحق أي مبطلين فيه. وأما الفساد بحق كتخريب الديار وإحراق الزروع وقطع الأشجار في حالة الحرب فهو إفساد بحق إِنَّما بَغْيُكُمْ عَلى أَنْفُسِكُمْ أي ظلمكم أي وباله وإثمه عليكم مَتاعَ الْحَياةِ الدُّنْيا تمتعون فيها قليلا مَرْجِعُكُمْ أي بعد الموت فَنُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ فنجازيكم
بعد أن ردّ الله تعالى على المشركين الطالبين إنزال آية كونية غير القرآن، بأن هذا من الغيب المستأثر به الله تعالى، ذكر جوابا آخر، وهو أن أولئك المشركين لا يقنعون بالآيات إذا رأوها بأعينهم لأن عادتهم المكر والجحود والعناد