الوصفين، وإما لتغاير الفريقين، والمراد بالفريق الأول: من أنكر البعث ولم يرد إلا الحياة الدنيا وهم الماديون الملحدون، والمراد بالفريق الثاني: من ألهته الدنيا عن التأمل في الآخرة والإعداد لها.
هذا جزاء الفريق الكافر وهم الأشقياء، أما جزاء الفريق المؤمن وهم السعداء فأخبرت الآية التالية عنه: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ...
أي إن الذين آمنوا بالله وصدقوا برسله، وامتثلوا ما أمروا به، فعملوا الصالحات، ولم يغفلوا عن آيات الله في الكون والشريعة، يرشدهم ربهم بسبب إيمانهم إلى الصراط المستقيم الذي يؤدي بهم إلى الجنة التي تجري من تحتها الأنهار، ومن تحت غرفهم في جنات النعيم والخلد، وهذا مثل للتنعم والراحة والسعادة والانسجام في تلك المناظر الخلّابة، التي تأخذ بمجامع القلوب، وتسرّ النفوس.
ومفهوم الترتيب بين الإيمان والعمل الصالح، وإن دلّ على أن سبب الهداية هو الإيمان والعمل الصالح، لكن دلّ منطوق قوله: بِإِيمانِهِمْ على استقلال الإيمان بالسببية، وأن العمل الصالح كالتابع له والتتمة.
دَعْواهُمْ ... أي يبدءون دعاءهم وثناءهم على الله تعالى بهذه الكلمة:
سُبْحانَكَ اللَّهُمَّ أي تنزيها وتقديسا لك يا الله، أو اللهم إنا نسبحك، وتحيتهم فيما بينهم سَلامٌ الدالة على السلامة من كل مكروه مثل قوله:
لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً وَلا تَأْثِيماً، إِلَّا قِيلًا: سَلاماً سَلاماً [الواقعة 56/ 25- 26] ، وهي أيضا تحية المؤمنين في الدنيا، وهي كذلك تحية الله تعالى حين لقائه لأهل الجنة تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ: سَلامٌ [الأحزاب 33/ 44] وتحية الملائكة لهم عند دخول الجنة: وَقالَ لَهُمْ خَزَنَتُها: سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوها خالِدِينَ [الزمر 39/ 73] .