وأقام الله تعالى دليلا آخر على وجوده ووحدانيته، فقال: وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّماواتِ وَفِي الْأَرْضِ.. أي أنه المدعو الله، القائم في السموات والأرض المعبود فيها، المعروف بالألوهية، يعبده ويوحده كل من في السموات ومن في الأرض، ويسمونه الله، ويدعونه رغبا ورهبا إلا من كفر من الجن والإنس، أي أنه المتصف بهذه الصفات المعروفة، المعترف له بها في السموات والأرض، ونظير هذه الآية: وَهُوَ الَّذِي فِي السَّماءِ إِلهٌ، وَفِي الْأَرْضِ إِلهٌ [الزخرف 43/ 84] أي هو إله من في السماء، وإله من في الأرض.
يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ تأكيد وتقرير لما قبله، يعلم السر والجهر، ويستوي في علمه الخفاء والعلانية، فهو خبر بعد خبر وصفة بعد صفة، أو حال.
وقيل: المراد أنه الله الذي يعلم ما في السموات وما في الأرض من سر وجهر، فيكون قوله: يَعْلَمُ متعلقا بقوله: فِي السَّماواتِ وَفِي الْأَرْضِ تقديره:
وهو الله يعلم سركم وجهركم في السموات وفي الأرض، ويعلم ما تكسبون. واختار الطبري قولا ثالثا: أن قوله: وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّماواتِ وقف تام، ثم استأنف الخبر فقال: وَفِي الْأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ.
وَيَعْلَمُ ما تَكْسِبُونَ أي يعلم جميع أعمالكم خيرها وشرها، ويجازيكم عليها.
المقصود من هذه الآيات إيراد الدلائل على وجود الله ووحدانية الصانع لأن تقدير السموات والأرض بمقادير مخصوصة، لا يمكن حصوله إلا بتخصيص الفاعل المختار، وهو الله.
ويستنبط من الآيات ما يلي: