فملّة إبراهيم القائمة على التوحيد: هي شرعة القرآن التي دعا إليها محمد صلّى الله عليه وسلّم، وهي الحقّ الذي لا مرية فيه، كما قال تعالى: قُلْ: إِنَّنِي هَدانِي رَبِّي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ. دِيناً قِيَماً مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً، وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ [الأنعام 6/ 161] ، وهو الذي أمره الله به صراحة، كما جاء في آية أخرى: ثُمَّ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً، وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ [النحل 16/ 123] .
إن شريعة القرآن واضحة لا لبس فيها ولا غموض، وهي التي تلتقي مع الشرائع السابقة في أصول الحلال والحرام، فلذا اتّفقت مع ملّة إبراهيم ومع ما كان مقررا من إباحة أنواع المطعومات كلها على بني إسرائيل، إلا أمرين:
الأول- ما حرّمه يعقوب (إسرائيل) على نفسه باجتهاد منه، لا بإذن من الله تعالى، على الصحيح لأن الله تعالى أضاف التّحريم إليه بقوله تعالى:
.. إِلَّا ما حَرَّمَ..، وأنّ النّبي إذا أدّاه اجتهاده إلى شيء، كان دينا يلزمنا اتّباعه، لتقرير الله سبحانه إياه على ذلك. وقد حرّم نبيّنا صلّى الله عليه وسلّم العسل على نفسه- على الرواية الصحيحة، أو خادمه (?) مارية، فلم يقرّ الله تحريمه، ونزل في القرآن: لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ [التحريم 66/ 1] ، وهل عليه الكفارة بتحريم المباح؟ رأيان لعلمائنا: أو حنيفة أجراه مجرى اليمين وجعله أصلا في تحريم كلّ مباح، والشافعي: لم يوجب فيه الكفارة، وجعله مخصوصا بموضع النّص.
وأما سبب تحريم يعقوب لحوم الإبل فهو كما قال ابن عباس: «لما أصاب يعقوب عليه السلام عرق النّسا، وصف الأطباء له أن يجتنب لحوم الإبل، فحرّمها على نفسه، فقالت اليهود: إنما نحرّم على أنفسنا لحوم الإبل لأن يعقوب حرّمها، وأنزل الله تحريمها في التّوراة فأنزل الله هذه الآية: