تم يقسم تعالى بنفسه الكريمة المقدسة أنه لا يؤمن أحد حتى يحكم الرسول - صلى الله عليه وسلم - في جميع أموره، ثم ينقاد للحق الذي يحكم به ويستسلم لذلك دون حرج أو مدافعة.
قال مجاهد: ({إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ}: لا يطيعهم أحد إلا بإذن الله). وهذا توبيخ من الله للمنافقين المتحاكمين إلى الطاغوت، وهم يزعمون أنهم يؤمنون بما أنزل الله إلى رسوله - صلى الله عليه وسلم -. فإن من هداه الله ونوّر قلبه وفقه لطاعة رسله، وإلا تركه متخبطًا تائهًا في ظلمات الهوى.
وقوله: {وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا}.
إرشاد من الله للعصاة المذنبين أن يأتوا إلى الرسول - صلى الله عليه وسلم -، فيستغفروا الله عنده ويسألوه أن يستغفر لهم، إذن لوجدوا مغفرة الله ورحمته قريبة منهم.
قلت: وهذه الآية خاصة في حياة النبي - صلى الله عليه وسلم -، أما وقد غاب عنا ومات فلا يلجأ العبد عند استغفاره إلا إلى الله العزيز الغفار.
ففي صحيح مسلم عن الأغَرِّ بن يسار المُزَني رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: [يا أيها الناس توبوا إلى الله واستغفروه، فإني أتوب في اليوم مئة مرة] (?).
وفي صحيح مسلم أيضًا عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: [إن الله تعالى يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار, ويبسط يده بالنهار ليتوب مُسيء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها] (?).
وفيه عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: [من تاب قبل أن تطلع الشمس من مغربها تاب الله عليه] (?).
قال القرطبي: (هذا الحديث أجري مجرى المثل الذي يُفهم منه قبول التوبة واستدامة اللطف والرحمة، وهو تنزل عن مقتضى الغني القوي القاهر إلى مقتضى اللطليف الرؤوف الغافر).