الحديث الثالث: أخرج الإمام أحمد والنسائي بسند صحيح، عن حصين بن محصن قال: [حدثتني عمتي قالت: أتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في بعض الحاجة فقال: أي هذه! أذات بعل؟ قلت: نعم، قال: كيف أنت له؟ قالت: ما آلوه إلا ما عجزت عنه، قال: فانظري أين أنت منه، فإنما هو جنتك ونارك] (?).
فإن لم ينفع الوعظ مع المرأة، شرع الله له المرحلة الثانية في التأديب: وهي الهجر.
قال ابن عباس: (عظوهن، فإن أطعنكم، وإلا فاهجروهن).
وهو قوله: {وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ}. وفيه أقوال متقاربة:
1 - قال ابن عباس: (يعني بالهجران: أن يكون الرجل وامرأته على فراش واحد لا يجامعها). وقال سعيد بن جبير: (الهجر هجر الجماع).
2 - وقال السدي: (أمّا {تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ}، فإن على زوجها أن يعظها، فإن لم تقبل فليهجرها في المضجع. يقول: يرقد عندها ويولِّيها ظهره ويطؤها ولا يكلمها). وقال الضحاك: (يضاجعها، ويهجر كلامها، ويولّيها ظهره).
3 - وقال سعيد بن جبير: ({وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ}، يقول: حتى يأتين مضاجعكم). وفي رواية لابن عباس قال: (يعظها، فإن هي قبلت، وإلا هجرها في المضجع، ولا يكلمها، من غير أن يذر نكاحها، وذلك عليها شديد).
4 - وقال عكرمة: (إنما الهجران بالمنطق: أن يغلظ لها، وليس الجماع). وقال ابن عباس: (يهجرها بلسانه، ويُغْلظ لها بالقول، ولا يدع جماعها).
قلت: وكلها معان محتملة يحتملها البيان الإلهي، وكذلك ما جاء في صحيح السنة. فقد أخرج أبو داود وأحمد وغيره عن معاوية بن حَيْدة القُشَيريِّ أنه قال: يا رسول الله، ما حق امرأةِ أحدنا عليه؟ قال: [أن تُطْعِمها إذا طَعِمْتَ، وتكسوها إذا اكتسيْتَ، ولا تضرب الوجه، ولا تقبّح، ولا تهْجُر إلا في البيت] (?).
وقوله: {وَاضْرِبُوهُنَّ}.
هي المرحلة الثالثة من مراحل التأديب، أي: إذا لم يرتدعن بالموعظة والهجران