فلقد كان المسلمون مغتمين مهمومين آنذاك لما أصابهم ونبيّهم من الإجهاد والأذى والتعب، فأنزل الله عليهم النعاس فناموا يسيرًا ثم أفاقوا وقد أذهب الله عنهم القلق والخوف وأبدلهم مكانه راحة وسكنًا، وملأ نفوسهم وقلوبهم أمنًا وطمأنينة.
يروي البخاري عن أبي طلحة الأنصاري رضي الله عنه قال: [كنت فيمن تغشاه النعاس يوم أحد حتى سقط سيفي من يدي مرارًا، يسقط وآخذه، ويسقط وآخذه] (?).
وقوله: {وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ}.
قال ابن إسحاق: (أهل النفاق قد أهمتهم أنفسهم تخوُّف القتل، وذلك أنهم لا يرجون عاقبة). وعن قتادة: ({ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ}، قال: ظن أهل الشرك). يشير سبحانه بذلك إلى طائفة المنافقين الذين أهمتهم أنفسهم دون أن يفكروا بمصاب المسلمين وبمصير الإسلام، فذمهم الله في هذه الآية، بعد أن ذكر نعمته على طائفة الحق الذين أهمهم مصير الإسلام وربطوا سعادة قلوبهم بانتصار هذا الدين وزهوه وعلوه في الأرض، فأنزل عليهم أمنة نعاسًا يجلو به الغم عن نفوسهم وينعش قلوبهم. في حين لا يغشى النعاس من أهمتهم أنفسهم بسب القلق والجزع والخوف على مصالح دنياهم.
وقوله: {يَقُولُونَ هَلْ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ}. قال القرطبي: (لفظه استفهام ومعناه الجحد، أي: ما لنا شيء من الأمر، أي من أمر الخروج، وإنما خرجنا كرها).
فأجابهم الله بقوله: {قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ} يعني القدر خيره وشره من الله.
وقوله: {يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ مَا لَا يُبْدُونَ لَكَ}. مُفَسَّرُ بقوله تعالى بعده يوضح ما أخفوه عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وهي هذه المقالة: {يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا}.
قال ابن إسحاق: (فحدّثني يحيى بن عبّاد بن عبد الله بن الزبير، عن أبيه، عن عبد الله بن الزبير، قال: قال الزبير: لقد رأيتني مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين اشتد الخوف علينا أرسل الله علينا النوم، فما منا من رجل إلا ذقنه في صدره. قال: فوالله إني لأسمع