(أي: يختبر الذين آمنوا، حتى يخلّصهم بالبلاء الذي نزل بهم، وكيف صَبْرهم ويقينُهم).
وقوله: {وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ}. قال ابن عباس: (ينقصهم). وقال الحسن: (يمحق الكافر حتى يكذِّبه). والمقصود ينقصهم ويفنيهم.
وقال سلمة عن ابن إسحاق: (أي: يبطل من المنافقين قولهم بألسنتهم ما ليس في قلوبهم، حتى يظهر منهم كفرهم الذي يستترون به منكم).
وقوله تعالى: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ}. يعني: هل حسبتم أن ترثوا الجنة دون ابتلاء في قتال وجهاد أو شدائد ومصائب، كما قال تعالى في آية البقرة: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا}. وكقوله في سورة العنكبوت: {الم (1) أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ}. فلا بد من الفتنة ولا بد من الصبر.
وقوله تعالى: {وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ}. تذكير من الله لهم بأيام الرخاء، والتسابق في الحديث عن الجهاد وتمني الموت في سبيل الله، وإنما يظهر الصدق عند اللقاء والتحام الصفوف.
وفي الصحيحين من حديث عبد الله بن أبي أوفى، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: [لا تتمنّوا لقاء العدو، وسلوا الله العافية، فإذا لقيتموهم فاصبروا، واعلموا أن الجنة تحت ظلال السيوف] (?).
وقوله: {فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ}. قال مجاهد: (غاب رجال عن بدر، فكانوا يتمنون مثل يوم بدر أن يلقوه، فيصيبوا من الخير والأجر مثل ما أصاب أهل بدر. فلما كان يوم أحد، ولّى من ولّى منهم، فعاتبهم الله).
وقال ابن إسحاق: {فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ}. أي: الموتَ بالسيوف في أيدي الرجال، قد خلّى بينكم وبينهم، وأنتم تنظرون إليهم، فصددتُم عنهم).