آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا لَا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ (264)}.
في هذه الآيات: بيان أثر المنّ والأذى في إفساد وإبطال الصدقة.
قال الضحاك: ({لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنًّا وَلَا أَذًى}: أن لا ينفق الرجل ماله، خيرٌ من أن ينفقه ثم يتبعه منًّا وأذىً).
قال قتادة: (علم الله أن أناسًا يمنّون بعطيتهم، فكره ذلك وقدّم فيه فقال: {قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ}).
قال ابن كثير: ({قَوْلٌ مَعْرُوفٌ} أي: من كلمة طيبة ودعاء لمسلم {وَمَغْفِرَةٌ} أي: عفوٌ وغفر عن ظُلم قولي أو فعلي).
فمدح الله تبارك وتعالى المنفقين من المؤمنين دون منٍّ ولا إساءة، ووعدهم على ذلك جزيل الثواب، فلا خوف عليهم فيما يستقبلونه من أهوال يوم القيامة، ولا هم يحزنون على ما خلفوا وراءهم من الأولاد والذرية، ولا على ما فاتهم من زينة هذه الدنيا، فإن ما أفضوا إليه من النعيم خير لهم من هذه الفانية المتقلبة.
وقد حفلت السنة الصحيحة بآفاق هذا المعنى، في أحاديث كثيرة منها:
الحديث الأول: روى مسلم في صحيحه عن أبي ذر، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: [ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة، ولا ينظر إليهم، ولا يزكيهم، ولهم عذاب أليم: المنّانُ بما أعطى، والمُسْبِلُ إزاره، والمُنْفِقُ سلعته بالحَلِفِ الكاذب] (?).
الحديث الثاني: أخرج الإمام أحمد بسند حسن عن أبي الدرداء، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: [لا يدخل الجنة عاق، ولا منَّان، ولا مدمن خمر، ولا مكذِّب بقدر] (?).
الحديث الثالث: أخرج النسائي وأحمد بسند جيد عن سالم بن عبد الله بن عمر،