في ذلك ناس فقالوا: إن الله تعالى يقول في كتابه: {ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ}، فقالت عائشة: صدقتم، وتدرون ما الأقراء؟ إنما الأقراء الأطهار].

قال ابن جرير: (وأصل القرء في كلام العرب: الوقت لمجيء الشيء المعتاد مجيئه في وقت معلوم، ولإدبار الشيء المعتاد إدباره لوقت معلوم).

قلت: والراجح أن القرء هو الحيضة، لثبوت ذلك من حديث النبي -صلى الله عليه وسلم-.

ففي صحيح سنن أبي داود عن عائشة: [أن أم حبيبة كانت تستحاض، فسألت النبي -صلى الله عليه وسلم- فأمرها أن تدع الصلاة أيام أقرائها] (?).

وروى عن عائشة موقوفًا: [المستحاضة تترك الصلاة أيام أقرائها ثم تغتسل]. ثم روى عن أبي جعفر: [أن سودة استحيضت فأمرها النبي -صلى الله عليه وسلم-، إذا مضت أيامها اغتسلت وصلت، "المستحاضة تجلس أيام قرئها"] (?).

وقوله: {وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ}.

قال مجاهد: (الحمل والحيض).

وقوله: {إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ}.

وعيد شديد لتأكيد تحريم الكتمان، وإيجاب لأداء الأمانة في الإخبار عن الرحم بحقيقة ما فيه، فسبيل المؤمنات ألا يكتمن الحق.

ووجه ذلك: لما كان لا اطلاع على أمر الحيض والأطهار -من أجل العدة- إلا من جهة النساء، جُعل القول قولها إذا ادّعت انقضاء العدة أو عدمها، وجعلن مؤتمنات على ذلك. قال القرطبي: (ومعنى النهي عن الكتمان النهيُ عن الإضرار بالزوج وإذهاب حقه، فإذا قالت المطلقة: حِضت، وهي لم تحض، ذهبت بحقه من الارتجاع، وإذا قالت: لم أحض، وهي قد حاضت، ألزمته من النفقة ما لم يلزمه فأضرت به، أو تقصد بكذبها في نفي الحيض ألا تُرتَجع حتى تنقضي العدة ويقطع الشرع حقه، وكذلك الحامل تكتم الحمل لتقطع حقه من الارتجاع. قال قتادة: كانت عادتهنّ في الجاهلية أن يكتمن الحمل ليُلحقن الولد بالزوج الجديد، ففي ذلك نزلت الآية).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015