وقوله: {وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى}. قَسَمٌ من اللَّه بالليل إذا غطَّى كل شيء. قال الأصمعي: (سجو الليل تغطيته النهار، مثل ما يُسَجَّى الرجل بالثوب). والعرب تقول: سجا الشيء أي سكن ودام. قلت: وكأن المقصود إقسامٌ من اللَّه تعالى بالنهار إذا أقبل، وبالليل إذا سيطر.

وعن ابن عباس: ({وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى} يقول: والليل إذا أقبل). وقال الحسن: (إذا لَبِسَ الناس، إذا جاء). وقال مجاهد: (إذا استوى). وقال قتادة: (سكَن بالخلق). وقال الضحاك: ({وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى} يعني: استقراره وسكونه). وقال ابن زيد: ({وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى} قال: إذا سكن، قال: ذلك سجْوه، كما يكون سكون البحر سجوه).

وقوله تعالى: {مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى}. هو جواب القسم. أي: ما قطعك ربك -يا محمد- قطع المودِّع، ولم يقطع عنك الوحي {وَمَا قَلَى} أي: وما أبغضك. والقِلَى في لغة العرب البُغْض، تقول: قَلاهُ تقْليه قِلًى وقَلاءً، بالفتح والمدّ. وعن ابن عباس: ({مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى} يقول: ما تركك ربك، وما أبغضك). وقال ابن زيد: (ما قلاك ربك وما أبغضك. قال: والقالي: المبغض).

أخرج البخاري ومسلم والنسائي والترمذي عن جُنْدب بن سُفيانَ قال: [اشتكى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فلم يَقُمْ لَيْلَتين أو ثلاثًا، فجاءت امرأة فقالت: يا محمد إني لأرجو أن يكون شيطانُكَ قَدْ ترَكَك، لَمْ أرَهُ قَرِبَكَ مُنْذُ ليلتين أو ثلاثًا، فأنزل اللَّه عز وجل: {وَالضُّحَى (1) وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى (2) مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى}] (?).

وأخرج الإمام مسلم في الصحيح عن الأسود بن قَيْسٍ أنه سَمِعَ جُنْدُبًا يقول: [أَبْطَأَ جِبْريلُ على رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقال المشركون: قَدْ وُدِّعَ مُحَمَّدٌ، فأنزل اللَّه عز وجل: {وَالضُّحَى (1) وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى (2) مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى}] (?).

وقوله تعالى: {وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولَى}. أي: وللجنة خير لك -يا محمد- من هذه الدنيا، هذا مع ما قد أوتي في الدنيا من شرف النبوة وجمال الشوكة والتمكين في الأرض، ولكنه كان أزهد الخلق فيها.

أخرج ابن حبان في صحيحه، وأحمد في مسنده، بإسناد صحيح على شرط مسلم

طور بواسطة نورين ميديا © 2015