قَدَر على البدأةِ قَدَر على الإعادة. قال قتادة: (إن اللَّه تعالى ذكره على بعثه وإعادته قادر).
قلت: والقول الثاني أنسب للسياق، لورود الآية بعده: {يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ}، وهو اختيار شيخ المفسرين -الإمام ابن جرير- رحمه اللَّه.
وقوله تعالى: {يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ}. قال سفيان: (تختبر). وقال قتادة: (إن هذه السرائر مختبرة، فأسِرُّوا خيرًا وأعلنوه إن استطعتم، ولا قوة إلا باللَّه).
وقال عطاء بن أبي رباح: ({يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ} قال: ذلك الصوم والصلاة وغسل الجنابة، وهو السرائر، ولو شاء أن يقول قد صمت وليس بصائم، وقد صَلّيت ولم يصل، وقد اغتسلت ولم يغتسل).
والمقصود: في ذلك اليوم تختبر وتعرف سرائر القلوب ونيات الأعمال، فيصبح السر علانية والمكنون مشهورًا، ويتميز الصدق من النفاق، والحسن من القبيح.
وفي التنزيل نحو ذلك:
1 - قال تعالى: {قُلْ إِنْ تُخْفُوا مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللَّهُ} [آل عمران: 29].
2 - وقال تعالى: {هُنَالِكَ تَبْلُو كُلُّ نَفْسٍ مَا أَسْلَفَتْ وَرُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ} [يونس: 30].
ومن كنوز صحيح السنة في آفاق ذلك أحاديث، منها:
الحديث الأول: أخرج البخاري ومسلم عن ابن عمر، أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: [إنَّ الغادِرَ يُنْصَبُ لهُ لِواءٌ يومَ القيامة، فيقال: هذه غَدْرةُ فلانِ بنِ فُلانٍ] (?).
الحديث الثاني: أخرج ابن ماجة والترمذي بسند صحيح عن أبي سعيد قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: [مَنْ يُرائي يُرائي اللَّه بِه، ومَنْ يُسَمِّعْ يُسَمِّع اللَّه به] (?).
الحديث الثالث: أخرج الترمذي بسند صحيح عن أبي هريرة قال: حدثني رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: ["أنَّ اللَّه تعالى إذا كان يومَ القيامة ينْزلُ إلى العبادِ ليقضِيَ بينهم، وكُلُّ أُمَّةٍ جاثيةٌ، فأوَّلُ من يَدْعو بِهِ رجلٌ جَمعَ القرآنَ، ورجلٌ قُتِلَ في سبيل اللَّه، ورجلٌ كثير