النذر عنهم وهم معرضون عنها). وقال ابن كثير: (يعني: أيُّ شيء تغني النذر عَمَّن كتب اللَّه عليه الشقاوة، وختم على قلبه؟ فمن الذي يهديه من بعد اللَّه؟ وهذه الآية كقوله تعالى: {قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ} [الأنعام: 149]. وكذا قوله تعالى: {وَمَا تُغْنِي الْآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ} [يونس: 101]).
6 - 8. قوله تعالى: {فَتَوَلَّ عَنْهُمْ يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ إِلَى شَيْءٍ نُكُرٍ (6) خُشَّعًا أَبْصَارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُنْتَشِرٌ (7) مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ يَقُولُ الْكَافِرُونَ هَذَا يَوْمٌ عَسِرٌ (8)}.
في هذه الآيات: أَمْرُ اللَّه تعالى نبيّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بالإعراض عن المشركين، وتَرَقُّبِ نزول الانتقام بهم يوم الدين، يوم هم على النار يفتنون.
فقوله: {فَتَوَلَّ عَنْهُمْ}. أي: فأعرض عن هؤلاء المشركين من قومك -يا محمد- الذين إن يروا آية يعرضوا ويقولوا: سحر مستمر، وانتظر لهم {يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ إِلَى شَيْءٍ نُكُرٍ}. قال ابن كثير: (إلى شيء مُنكَر فَظِيع، وهو موقف الحساب، وما فيه من البلاء، بل والزلازل والأهوال).
وقوله: {خُشَّعًا أَبْصَارُهُمْ}. قال قتادة: (أي ذليلة أبصارهم). قال القرطبي: (الخشوع في البصر الخضوع والذلّة، وأضاف الخشوع إلى الأبصار لأن أثر العزّ والذّل يتبين في ناظر الإنسان، قال اللَّه تعالى: {أَبْصَارُهَا خَاشِعَةٌ} [النازعات: 9]. وقال تعالى: {خَاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ} [الشورى: 45]).
وقوله: {يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ}. أي من القبور، واحدها جدث.
وقوله: {كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُنْتَشِرٌ}. أي: كأنهم في انتشارهم -بعد خروجهم من قبورهم- وسعيهم إلى موقف الحساب جراد منتشر في الآفاق.
وقوله: {مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ}. أي: مسرعين بنظرهم قِبَل داعيهم إلى ذلك الموقف الرهيب، فلا يخالفون ولا يتأخرون. قال قتادة: {مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ}: أي عامدين إلى الداع). وقال النسفي: (مسرعين مادي أعناقهم إليه).
وقوله: {يَقُولُ الْكَافِرُونَ هَذَا يَوْمٌ عَسِرٌ}. أي صعب شديد، عبوس قمطرير، كثير الأهوال والشدائد. قال ابن جرير: (وإنما وصفوه بالعسر لشدة أهواله وبلْباله). قال اللَّه