علم، وإنما هو الظن. {وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا}. أي: ولا يجدي الظن ولا يقدّم لأهله نفعًا، ولا يقوم مقام الحق شيئًا.
وفي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة، أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: [إياكم والظَّن، فإنَّ الظَّنَ أَكْذَبُ الحديث] (?).
وقوله: {فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنَا}. أي: فدع -يا محمد- من أعرض عن الحق، ولم يُعَظِّم ربّه عز وجل، ويعلي ذكره فوق كل شيء.
وقوله: {وَلَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا}. قال ابن جرير: (يقول: ولم يطلب ما عند اللَّه في الدار الآخرة، ولكنه طلب زينة الحياة الدنيا، والتمس البقاء فيها).
وقوله: {ذَلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ}. أي: العلم بأحوال الدنيا ومداخل أمورها غاية ما وصلوا إليه.
وفي التنزيل نحو ذلك، قوله جل ذكره: {يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ} [الروم: 7]. قال الفراء: ({ذَلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ} صَغّرهم وازدرى بهم، أي ذلك قدر عقولهم ونهاية علمهم أن آثروا الدنيا على الآخرة).
أخرج ابن حبان في "صحيحه"، وكذلك البيهقي، بسند صحيح عن أبي هريرة قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: [إن اللَّه يبغض كل جعظري جواظ، سخاب في الأسواق، جيفة بالليل، حمار بالنهار، عالم بأمر الدنيا، جاهل بأمر الآخرة] (?).
والجَعْظَري: الفظ الغليظ المتكبر، والجوّاظ: الجموع المنوع. والسخاب: كالصخاب، وهو كثير الضجيج والخصام. وفي رواية ذكرها ابن الأثير: (خُشب بالليل، سُخُب بالنهار). أي: إذا جنّ عليهم الليل سقطوا نيامًا كأنهم خشب، فإذا أصبحوا تساخبوا على الدنيا وتسابقوا إليها حرصًا وشحًا وطمعًا.
وللحديث شاهد صحيح عند الحاكم في "تاريخه" عن أبي هريرة مرفوعًا: [إنّ اللَّه تعالى يبغض كلَّ عالمٍ بالدنيا، جاهِلٍ بالآخرة] (?).