وقوله تعالى: {هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ}. أي: هذا الثواب والإكرام إنما هو خاص لكل رجّاع إلى ذكر اللَّه، حافظ لحدوده، مُعَظِّم لدينه. قال ابن عباس: ({لِكُلِّ أَوَّابٍ} قال: لكل مُسَبِّح). وقال مجاهد: (الأواب: المسبّح). وقال الحكم بن عُتَيبة: (هو الذاكر اللَّه في الخلاء). وقال مجاهد في رواية: (الذي يذكر ذنوبه فيستغفر منها). وقال التيمي: (سألت ابن عباس عن الأوّاب الحفيظ قال: حفظ ذنوبه حتى رجع عنها). وقال قتادة: ({حَفِيظٍ}: حفيظ لما استودعه اللَّه من حقه ونعمته). قال ابن جرير: (هو حفيظ لكل ما قَرَّبَهُ إلى ربه من الفرائض والطاعات والذنوب التي سَلَفت منه للتوبة منها والاستغفار).
وقوله: {مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ}. أي: من خاف اللَّه في سرّه في الدنيا حيث لا يراه أحد إلا اللَّه عز وجل.
وقوله: {وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ}. قال قتادة: (أي منيب إلى ربه مقبل).
قلت: وبين الخشية والإنابة صلة من النسب. فالإنابة أثر رفيع للخشية، وتعني الرجوع والإحسان. قال الحسن: (عملوا واللَّه بالطاعات واجتهدوا فيها وخافوا أن ترد عليهم، إن المؤمن جمع إحسانًا وخشية، والمنافق جمع إساءة وأمنًا).
وفي صحيح البخاري من حديث أبي هريرة -في السبعة الذين يظلهم اللَّه في ظله يوم لا ظل إلا ظله- قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: [ورجلٌ ذكرَ اللَّه خاليًا ففاضت عيناه] (?).
وفي جامع الترمذي بسند صحيح عن ابن عباس قال: سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: [عَيْنان لا تَمَسُّهُما النار: عَيْنٌ بَكَتْ مِنْ خَشية اللَّه، وعَيْنٌ باتت تحرس في سبيل اللَّه] (?).
ورواه الطبراني من حديث أنس بلفظ: [عَيْنان لا تَرَيان النارَ: عينٌ بَكَتْ وجَلًا من خشية اللَّه، وعينٌ باتت تكلأ في سبيل اللَّه].
وقوله: {ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ}. يعني الجنة. قال قتادة: (سَلِمُوا من عذاب اللَّه عز وجل، وسَلَّم عليهم ملائكة اللَّه).