والمقصود: هروب من الحق بمحاولة الانتقاص من القرآن وأهله، كما قال تعالى: {وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (5)} [الفرقان: 5]. وهذا من الكبر والعجب الذي يسخط اللَّه تعالى.

وفي الصحيحين عن حارثة بن وهب قال: سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: [ألا أخبركم بأهل النار؟ كل عُتُلٍّ جوّاظ مستكبر] (?).

وفي صحيح مسلم عن عبد اللَّه بن مسعود، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: [لا يدخل الجنة من كان في قلبه مِثقالُ ذرةٍ من كبِر. فقال رجل: إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنًا ونعله حسنة؟ قال: إن اللَّه جميل يحب الجمال، الكبر بطرُ الحق وغَمْطُ الناس] (?).

وقوله: {وَمِنْ قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَامًا وَرَحْمَةً}.

أي: ومن قبل هذا القرآن كتاب موسى (التوراة) أنزلناه إمامًا لبني إسرائيل يأتمون به ويهتدون بهديه ورحمة لهم.

وقوله: {وَهَذَا كِتَابٌ مُصَدِّقٌ لِسَانًا عَرَبِيًّا}. أي: وهذا القرآن أنزلناه يصدق كتاب موسى، ويؤكد أن محمدًا -صلى اللَّه عليه وسلم- نبي مرسل- وهو بلسان عربي فصيح مبين.

وقوله: {لِيُنْذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَبُشْرَى لِلْمُحْسِنِينَ}. أي: لينذر هذا القرآن من كفر وطغى، ويبشر من أحسن وأناب.

وقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ}.

قال ابن جرير: ({إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ} الذي لا إله غيره {ثُمَّ اسْتَقَامُوا} على تصديقهم بذلك فلم يخلطوه بشرك ولم يخالفوا اللَّه في أمره ونهيه {فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ} من فزع يوم القيامة وأهواله {وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} على ما خلفوا وراءهم بعد مماتهم).

وقوله تعالى: {أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}.

أي: هؤلاء الموصوفون بما سبق من صدق التعظيم للَّه والاستقامة على منهج الحق هم أهل الجنة ينعمون فيها ولا يرحلون عنها، فأعمالهم سبب لنيل رحمة اللَّه وسبوغها عليهم. ونصب {جَزَاءً} على المصدر.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015