وقوله: {وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ}. أي إذا حزبهم أمر تشاوروا بينهم.

يقول "سيد" في "الظلال" (5/ 3160): (وهنا في هذه الآيات يصور خصائص هذه الأمة التي تطبعها وتميزها، ومع أن هذه الآيات مكية نزلت قبل قيام الدولة المسلمة في المدينة، فإننا نجد فيها أن من صفة هذه الجماعة المسلمة {وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ} ما يوحي بأن وضع الشورى أعمق في حياة المسلمين من مجرد أن يكون نظامًا سياسيًا للدولة، فهو طابع أساسي للجماعة كلها يقوم عليه أمرها كجماعة، ثم يتسرب من الجماعة إلى الدولة).

قال البخاري في كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة -من صحيحه- باب قول اللَّه تعالى: {وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ} [الشورى: 38]. {وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ} [آل عمران: 159]. قال: (وإنَّ المشاورة قبل العزم والتبيّن لقوله تعالى: {فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ} [آل عمران: 159] فإذا عزم الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- لم يكن لبشر التقدم على اللَّه ورسوله. وشاور النبي أصحابه يوم أُحُدٍ في المُقام والخُروج، فرأوا له الخروج، فلما لبِسَ لأْمَتَهُ وعزم قالوا: أقِمْ، فلم يَمِل إليهم بعد العَزْمِ وقال: "لا ينبغي لِنبيّ يَلْبَسُ لأمَتَهُ فيضَعُها حتى يحكم اللَّه". وشاور عليًا وأسامة فيما رمى به أهل الإفك عائشة، فسمعَ منهما حتى نزل القرآن فجلدَ الرّامين، ولم يلتفِت إلى تنازُعِهم ولكنْ حكم بما أمره اللَّه).

فالشورى: هي استطلاع الرأي من ذوي الخبرة فيه للتوصل إلى أقرب الأمور للحق. قال تعالى: {فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ} [آل عمران: 159]. أخرج ابن أبي حاتم عن الحسن قال: (قد علم اللَّه أنه ما به إليهم حاجة، ولكن أراد أن يستن به من بعده) (?).

وقال الضحاك بن مزاحم: (ما أمر نبيه -صلى اللَّه عليه وسلم- بالمشورة إلا لما علم فيها من الفضل).

وفي جامع الترمذي بسند صحيح عن ابن عمر، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: [إن اللَّه تعالى لا يجمع أمتي على ضلالة، ويدُ اللَّه على الجماعة] (?).

وقوله: {وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ}. أي: ومما أعطيناهم يتصدقون.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015