يَعْلَمُونَ (49) قَدْ قَالَهَا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (50) فَأَصَابَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا وَالَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ هَؤُلَاءِ سَيُصِيبُهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا وَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ (51) أَوَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (52)}.

في هذه الآيات: يوجه اللَّه سبحانهُ خطابه إلى نبيّه عليه السلام: هذا القرآن قد أنزلناهُ عليك لتنذر به جميع الخلق إنْسَهم وجنّهم ولتعرفهم سبيل النجاة ومعنى الأمن في الدنيا والآخرة، فمن رضي بطريق الوحي واهتدى لطريقِ السعادة فإنما يعود بالنفع على نفسهِ، ومن أصر على الضلال، وطريقِ الغي والشهوات فإنما عليهِ الوبال، وما أنت يا محمد بموكل عليهم حتى يهتدوا إنما أنتَ نذير، فاللَّه هو سبحانه يملك قلوبهم وأرواحهم، فإن الأنفس التي كتب عليها مُفارقة الحياة فتخرجُ منها أرواحها وتفارق أبدانها وتُبطل تصرفاتها بالكلية، وأما تلك التي لم يحن موتها فتقبض عند النوم ويبطل تصرفها بالحواس الظاهرة، ثم يعيدها إلى أن يأتي أجلها وينقضي عمر صاحبها فإذا خرجت عندئذ فلا تعود، إنَّ في ذلكَ لذكرى واعتبارًا، فكذلك الإيمان والضلال، يثبت الإيمان ويتزحزح أو يتغير أو يموت كلّ ذلكَ بعلم اللَّه كالآجال، ويا ويلهم إذ لم يعتبروا يوم اتخذوا الشفعاء على صورة الأصنام، يظنون الصلة عبر الحجارة إلى خالق الأنام، وهي جمادات ومخلوقات وأوثان، لا تملك كشف الضر عنهم ولا تحويلًا، فاللَّهُ هو المتصرف وحده، وإليهِ يرجعُ الأمر كله، ويا ويلهم تنقبض قلوبهم إذا ذكر اللَّه وحده، وتشمئز نفوسهم إذا أفرد بالتعظيم لا شريك له، وإذا ذكرت آلهتهم تهللت وجوههم، واستبشرت قلوبهم، بل اللَّه فاطر السماوات والأرض عالم الغيب والشهادة سيحكم بينهم، ويوم القيامةِ يتمنى المشركون أن يفتدوا من العذاب بأموال الدنيا وزينتها، وبأضعاف ذلكَ من بهجتها وعرضها، حين يبصرون ما لا يتوقعون من أهوالها، ويعاينون سوء ما اجترحوا من آثامها، فهذا شأن الإنسان يلجأ إلى اللَّه عند المصيبة، ويجأر إليهِ عند الشدةِ، أما في الرخاء فيستسلم لغواية الشيطان فينسب العلم لنفسه من دون الرحمان، وبأنه هو صانعُ القرار والخير ومدبر الأمر بإتقان، فقد ضلت بذلكَ من قبلهم أمم على مر الزمان، ونالوا نكالَ الغرور الذي أصابهم على مر الأيام، وهذا مصير هؤلاء المشركين اليوم الخائضين في متاهات الكبر والعجب وحالك الظلام، فاللَّهُ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015