ثم قال سبحانه: {إِنْ كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ}.
وهو كقوله تعالى: {يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ}. قال قتادة: (ملك قائم على صخرة بيت المقدس ينادي: أيتها العظام البالية والأوصال المتقطعة: إن الله يأمركن أن تجتمعن لفصل القضاء).
وكقوله جلّ ذكره: {فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ (13) فَإِذَا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ}. وكقوله جل ثناؤه: {وَمَا أَمْرُ السَّاعَةِ إِلَّا كَلَمْحِ الْبَصَرِ}. فيكون معنى الآية كما قال أبو جعفر: (إن كانت إعادتهم أحياء بعد مماتهم إلا صيحة واحدة وهي النفخة الثالثة في الصور. {فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ}. يقول: فإذا هم مجتمعون قد أُحضروا فأشهدوا موقف العرض والحساب لم يتخلف عنه منهم أحد).
وقوله: {جَمِيعٌ} خبر للمبتدأ {إِذَا هُمْ}، وقوله: {مُحْضَرُونَ} صفة. أي جميعهم قد أحضروا موقف الحساب في المحشر.
وقوله: {فَالْيَوْمَ لَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا}. أي: مما عملت. {وَلَا تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ}، أي توافون أعمالكم وما اجترحتم أو اكتسبتم من خير أو شر. و {مَا} في محل نصب.
ثم قال سبحانه: {إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ} وفيه تفاسير متكاملة:
1 - قيل هو افتضاض العذارى. فعن ابن مسعود في قوله: {إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ}. قال: (شغلهم افتضاض العذارى). وقال ابن عباس: (افتضاض الأبكار). وقال أبو قلابة: (بينما الرجل من أهل الجنة مع أهله إذ قيل له تحول إلى أهلك، فيقول: أنا مع أهلي مشغول، فيقال: تحول أيضًا إلى أهلك).
2 - قيل: مشغولون في السماع. ذكره وَكيع. وقيل: في زيارة بعضهم بعضًا. ذكره ابن كيسان. وقيل: في ضيافة الله تعالى- حكاه القرطبي.
3 - وقيل: ذلك هو الانشغال بالنعيم. أي هم في نعمة. فعن مجاهد: ({إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ} قال: في نعمة).
4 - وقيل: هو انشغالهم بالملذات عن الاهتمام بما يلقى أهل النار. قال الحسن: (شغلهم النعيم عما فيه أهل النار من العذاب). وبنحوه روي عن إسماعيل بن أبي خالد قال: (في شغل عما يلقى أهل النار).