قال أبو حنيفة: (حرام على من لم يعرف دليلي أن يفتي بكلامي، فإننا بشر، نقول القول اليوم ونرجع عنه غدًا). وقال أيضًا: (نحن قوم نقول القول اليوم ونرجع عنه غدًا، ونقول غدًا ونرجع عنه بعد غد، كلنا خطاء إلا صاحب هذا القبر، يعني فيهِ قبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -). وكان يقول: (إذا صحّ الحديث فهو مذهبي) (?).
وبنحوه قال الإمامُ مالك إمام أهل المدينة: (ليس أحد بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا ويؤخذ من قوله ويترك إلا النبي - صلى الله عليه وسلم -) (?). وكان يقول: (لا يصلح آخر هذه الأمةِ إلا بما صلح به أولها).
ومضى على منهاجه الإمام الشافعي وكان يقول: (ما من أحد إلا وتذهب عليهِ سنة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتعزب عنه، فمهما قلت من قول، أو أصَّلْتُ من أصلٍ، فيهِ عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خلافُ ما قلت، فالقول ما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو قولي) (?).
وسار على منهاجه تلميذهُ المحدث الإمام أحمد، وكان يقول: (لا تقلدني ولا تقلد مالكًا ولا أبا حنيفة ولا الشافعي ولا الأوزاعي ولا الثوري رحمهم الله تعالى، وخذ من حيث أخذوا، من قلة فقه الرجل أن يقلد دينَهُ الرجال) (?).
أراد بذلكَ الإمام أحمد أن يمشي طالب العلم على بصيرةٍ، ويفتح قلبهُ وعقله لعلماء الأمةِ وقادتها، دون تعصب وانغلاق، فما جاء بالدليل الصحيح عن الله ورسوله مضى متبعًا له منقادًا لأمره.
وقوله: {وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا}. تهديد ووعيد، لكل من علم الحق الذي دل عليهِ الكتاب والسنة ثم جانبه وتَنَكَّب له.
قال ابن جرير: (ومن يعص الله ورسوله فيما أمرا أو نهيا {فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا} يقول: فقد جار عن قصد السبيل، وسلكَ غير سبيل الهدى والرشاد).
وفي التنزيل نحو ذلك:
1 - قال تعالى: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ