وقوله: {وَسَوْفَ يَعْلَمُونَ حِينَ يَرَوْنَ الْعَذَابَ مَنْ أَضَلُّ سَبِيلًا}.
قال ابن جرير: (يقول جل ثناؤه: سيبين لهم حين يعاينون عذاب الله قد حلّ بهم ... من الراكب غير طريق الهدى، والسالك سبيل الردى أنت أو هم).
قلت: ولا شك أنهم عاينوا ذلك ورأوه يوم بدر، بل إنّ الله أسمعهم توبيخ نَبيّه لهم وهم صرعى يوشك أَنْ يلقوا في حفرهم.
ففي صحيح مسلم ومسند أحمد من حديث أنس قال: [وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيده -أي قبل المعركة- فوضعها فقال: هذا مصرع فلان غدًا، وهذا مصرع فلان غدًا إن شاء الله تعالى، فالتقوا فهزمهم الله عز وجل، فوالله ما أماط رجل منهم عن موضعِ كفيّ النبي - صلى الله عليه وسلم -. قال: فخرج إليهم النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد ثلاثة أيام وقد جَيَّفُوا فقال: يا أبا جهل، يا عتبة، يا شيبة، يا أمية، قد وجدتم ما وعدكم ربكم حقًّا فإني قد وجدت ما وعدني ربي حقًّا. فقال له عمر: يا رسول الله تدعوهم بعد ثلاثة أيام وقد جَيَّفوا! فقال: ما أنتم بأسْمَعَ لما أقول منهم غير أنهم لا يستطيعون جوابًا، فأمر بهم فَجُرُّوا بأرجلهم فألقوا في قليب بدر] (?).
قال قتادة: (أحياهم الله له حتى أسمعهم قوله توبيخًا وتصغيرًا، ونقمة، وحسرة وندما) (?).
وقوله: {أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ}. قال القرطبي: (عَجَّبَ نبيَّه - صلى الله عليه وسلم - من إضمارهم على الشرك وإصرارهم عليه مع إقرارهم بأنه خالقهم ورازقهم، ثم يعمد إلى حجر يعبده من غير حجة). قال ابن عباس: (الهوى إله يعبد من دون الله، ثم تلا هذه الآية).
وقوله: {أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا}. أي حفيظًا وكفيلًا لتحمله على الرجوع إلى منهاج الإيمان. وهو تسلية للنبي - صلى الله عليه وسلم - عن إصرار قومه على منهاجهم الفاسد. قال ابن عباس: (كانَ الرجلُ في الجاهلية يعبدُ الحجرَ الأبيض زمانًا، فإذا رأى غيرَه أحسَنَ منه عبد الثاني وترك الأول).
وقوله: {أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ}.
أي سماع تدبر وإصغاء، وتعقل للفهم والانتفاع. والمقصود: بل هم بمنزلة من