والمقصود: أنّ خلق آدم كان من سلالة -وهي المستلة- من كل تربة من ترب الأرض المختلفة، قبضها الله تعالى وأوجد منها آدم عليه السلام.
أخرج أبو داود والترمذي بسند صحيح عن أبي موسى الأشعري قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: [إن الله خَلق آدم من قَبْضَةٍ قبضَها من جميع الأرض، فجاء بنو آدم على قدر الأرض: جاء منهم الأحمر والأبيض والأسود وبين ذلك، والسَّهلُ والحَزْنُ والخبيثُ والطيب] (?).
وقوله تعالى: {ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ}.
أي: ثم جعلنا النسل المتتابع بعد الخلق الأول نطفة تتوضع في الرحم في مكان مُعَدّ لذلك، قد هُيِّئَ ليستقر فيه الجنين إلى بلوغ أمره. فالضمير في قوله {جَعَلْنَاهُ} عائد على جنس الإنسان.
وفي التنزيل نحو ذلك:
1 - قال تعالى: {الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسَانِ مِنْ طِينٍ (7) ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ} [السجدة: 7 - 8].
2 - وقال تعالى: {أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ (20) فَجَعَلْنَاهُ فِي قَرَارٍ مَكِينٍ (21) إِلَى قَدَرٍ مَعْلُومٍ (22) فَقَدَرْنَا فَنِعْمَ الْقَادِرُونَ} [المرسلات: 20 - 23].
والعرب تسمي ولد الرجل ونطفته: سليله وسلالته، لأنهما مسلولان منه.
قال مجاهد: ({مِنْ سُلَالَةٍ} من مَنِيّ آدم). والماء المهين: هو الماء الضعيف، والمراد المنيّ.
وقوله: {ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا}.
إخبار عن انتقال من حال إلى حال، حتى يتشكل الإنسان في أحسن تقويم، فالنطفة -وهي الماء الدافق الذي يخرج من صُلب الرجل، وهو ظهره، وترائب المرأة، وهي عظام صدرها ما بين الترقُوة إلى السرة- تصير علقة حمراء. قال عكرمة: (وهي دم). أي: قطعة من دم، ثم تصير مضغة، أي: قطعة من لحم، لا شكل فيها