محاكمتهم له، واجتماعهم على تحريقه فأنجاه الله -قال: يا نار كوني بردًا وسلامًا على إبراهيم-، وَردّ كيدهم في نحرهم وجعلهم الأخسرين.
فقوله تعالى: {وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ}.
قال النسفي: ({وَتَاللَّهِ} أصله والله، وفي التاء معنى التعجب من تسهيل الكيد على يده مع صعوبته وتعذره لقوة سلطة نمرود). وقال ابن كثير: (أقسم الخليلُ قسمًا أسْمَعَهُ بعض قومه: ليكيدَنَّ أصنامَهُم، أي: ليحرِصَن على أذاهم وتَكْسِيرهم بعد أن يُوَلُّوا مُدْبرين، أي: إلى عيدهم. وكان لهم عيدٌ يخرجون إليه).
قال السُّدِّيُّ: (لما اقترب وقتُ ذلك العيد قال أبوه: يا بُنَيَّ، لو خَرَجْتَ معنا إلى عيدنا لأعجبك دينُنا! فخرج معهم، فلما كان ببعض الطريق ألقى نفسَه إلى الأرض وقال: إني سقيم. فجعلوا يمرون عليه وهو صريعٌ فيقولن: مَهْ! فيقول: إني سقيم. فلما جَاز عامَّتُهم وَبقِيَ ضُعَفاؤهم، قال: {وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُم}، فسمعه أولئك).
وقوله: {فَجَعَلَهُمْ جُذَاذًا}. قال ابن عباس: (يقول: حُطامًا). وقال مجاهد: (كالصَّريم).
وقال قتادة: (أي قطِعًا). والمقصود: فكسر أصنامهم وجعلهن قطعًا - من الجذ وهو القطع، جمع جذاذة -.
وقوله: {إِلَّا كَبِيرًا لَهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ}.
قال ابن عباس: (إلا عظيمًا لهم عظيم آلهتهم). وقال مجاهد: (جعل إبراهيم الفأس التي أهلك بها أصنامهم مسندة إلى صدر كبيرهم الذي ترك). قال قتادة: (كادهم بذلك لعلهم يتذكرون أو يبصرون).
والمقصود: تَرَكَ كبيرَ الأصنام قاصدًا لعلهم يرجعون إليه فيسألونه عن كاسرها فيتبين لهم عجزه، أو لعلهم يظنون أنه هو غار لنفسه وأَنِفَ أن تُعْبد معه هذه الأصنام الصِّغار فكسرها. وقيل: لعلهم يرجعون إلى إبراهيم أو إلى الله. والتفسير الأول أنسب للسياق ومكيدة إبراهيم - صلى الله عليه وسلم - بهم.
وقوله تعالى: {قَالُوا مَنْ فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ}.
قال القاسمي: ({قَالُوا مَنْ فَعَلَ هَذَا} أي هذا الفعل الفظيع {بِآلِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنَ