القيامة عن أماكنها ويمحقها ويُسيرها ويذر الأرض بساطًا واحدًا. قال ابن كثير: (القاع: هو المستوي من الأرض. والصفصف تأكيدٌ لمعنى ذلك. وقيل: الذي لا نبات فيه. والأول أولى. وإن كان الآخر مُرادًا أيضًا باللازم).
وقوله: {لَا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلَا أَمْتًا}. أي: لا ترى يومئذ في الأرض منخفضًا ولا مرتفعًا، ولا واديًا ولا محدّبا. قال ابن عباس: ({لَا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلَا أَمْتًا} يقول: واديًا، ولا أمتًا: يقول: رابية). وعن مجاهد: ({لَا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلَا أَمْتًا} قال: ارتفاعًا، ولا انخفاضًا).
وقوله: {يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ لَا عِوَجَ لَهُ}. أي: يومئذ يتبع الناس صوت داعي الله إلى موقف الحشر مسرعين لا انحراف لهم عنه. قال القاسمي: (أي يجيبونَ الداعي إلى المحشر، فينقلبون من كل صوب إليه). وقال النسفي: ({لَا عِوَجَ لَهُ} أي لا يعوج له مدعو، بل يستوون إليه من غبر انحراف متبعين لصوته).
وقوله: {وَخَشَعَتِ الْأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلَا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْسًا}. أي: سكنت الأصوات لله تعالى من هيبة الموقف فلا كلام لأحد إلا من أذن الله له قولًا.
قال ابن عباس: ({وَخَشَعَتِ الْأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ}، يقول: سكنت. {فَلَا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْسًا} قال: وطء الأقدام). أو قال: (همس الأقدام، وهو الوطء). وفي رواية قال: (يقول: الصوت الخفي). وعن مجاهد: ({هَمْسًا} قال: خفض الصوت. أو قال: تخافتًا، قال: كلام الإنسان لا تسمع تحرّك شفتيه ولسانه). وقال ابن جريج: (هو صوت وقع الأقدام بعضها على بعض إلى المحشر). وعن سعيد بن جبير: ({فَلَا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْسًا} قال: الحديث وسره، وَوَطْء الأقدام).
وخلاصة المعنى: وسكنت الأصوات وذلّت يومئذ للرحمان هيبة وإجلالًا، فلا تسمع إلا صوتًا خفيفًا لتحريك الشفاه أو وقع الأقدام لتأخذ أماكنها في أرض المحشر.
وقوله تعالى: {يَوْمَئِذٍ لَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلًا}.
أي: لا يستطيع أن يتقدم - يومئذ - بالشفاعة أحد إلا أن يأذن الله تعالى لمن يشاء ويرضى.
وفي التنزيل نحو ذلك:
1 - قال تعالى: {وَلَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ} [سبأ: 23].