وقوله: {فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا}. قال وهب بن منبه: (وجدت عندها جبريل قد مثله الله بشرًا سويًّا). أي أرسل اللهُ إليها جبريل في صورة رجل من بني آدم معتدل الخلق.

وقوله تعالى: {قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا}.

قال ابن جريج: (خشيث أن يكون إنما يريدها على نفسها). والمقصود: أنها فزعت منه حين رأته فاستجارت بالرحمن لدفعه عنها إن كان أرادها بسوء. قال السدي: (تقول: أستجير بالرحمن منكَ أن تنال مني ما حرّمه عليك إن كنت ذا تقوى له تتقي محارمه، وتجتنب معاصيه). قال ابن كثير: (أي: إن كنت تخاف الله، تذكيرٌ لهُ بالله. وهذا هو المشروع في الدفع أن يكونَ بالأسهلِ فالأسهل، فخَوَّفته أولًا باللهِ عز وجل).

وقوله تعالى: {قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا}.

أي: فأجابها الملك مطمئنًا لها ليزيل عنها الخوف الذي اعتراها على نفسها: ما الأمر كما تظنين، ولكني رسول ربكِ، بعثني إليكِ ليهب الله لك غلامًا زكيًّا.

قال ابن جرير: (والغلام الزكي: هو الطَّاهر من الذنوب).

وقوله تعالى: {قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا}.

أي: فأجابت متعجبة -كيف يكون مني غلامٌ ولست بذات زوج، ولا يتصور مني الفجور. قال النسفي: ({وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ} زوج بالنكاح {وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا} فاجرة تبغي الرجال أي تطلب الشهوة من أي رجل كان، ولا يكون الولد عادة إلا من أحد هذين).

والبَغِيّ: هي الزانية، وقد جاء هذا اللفظ في السنة كذلك، كما جاء في القرآن. ففي الصحيحين وسنن أبي داود والترمذي عن أبي مسعود الأنصاري قال: [نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن ثمن الكلب، ومهر البغي، وحلوان الكاهن] (?).

وقوله: {قَالَ كَذَلِكَ قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ}.

قال السدي: (قال لها جبريل: هكذا الأمر كما تصفين، من أنك لم يمسسكِ بشر ولم تكوني بغيًّا، ولكن ربك قال: هو علي هين: أي خَلْقُ الغلام الذي قلتِ، أن أهبه لك عليَّ هين، لا يتعذّر عليّ خلقه، وهبته لك من غير فحل يفتحلك).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015