وقال قتادة: (أي سرًّا، وإن الله يعلم القلب النقي، ويسمع الصوت الخفي).

وقوله تعالى: {قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا}.

قال السدي: (فكان نداؤه الخفي الذي نادى بهِ ربه أن قال: {رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي} يعني بقوله: {وَهَنَ} ضعف ورقَّ من الكبر). وقال مجاهد: (نحَلَ العظم). وقال قتادة: (أي ضعف العظم مني). وقال الثوري: (وبلغني أن زكريا كانَ ابن سبعين سنة).

والمقصود: أنه يشكو إلى الله عز وجل الضعف وقد خارت القوى. {وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا}. قال النسفي: (تمييز، أي فشا في رأسي الشيب، واشتعلت النَّارُ إذا تفرقت في التهابها وصارت شعلًا، فشبه الشيب بشواظ النار في بياضه وانتشاره في الشعر وأخذه منه كل مأخذ باشتعال النار).

وعن ابن جريج: {وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا} يقول: قد كنتُ تعرفني الإجابة فيما مضى).

أي: لم أعهد منكَ ربِّ إلا الإجابةَ في الدعاء، وما خيبتني قط عند الرجاء، بل كنتَ تجيبني وتقضي حاجتي ما سألتك.

وقوله: {وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي}.

الموالي هنا الأقارب وبني العم والعصبة الذين يلونه في النسب. والعرب تسمي بني العم الموالي.

قال مجاهد: (أرادَ بالموالي العصبة). وقال أبو صالح: (الكلالة). وروي عن عثمان بن عفان ومحمد بن علي وعلي بن الحسين: أنهم كانوا يقرؤونها: {وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي} أي: قلت عصباتي من بعدي. ومن ثمَّ قال للآية تأويلان:

التأويل الأول: قال ابن عباس ومجاهد وقتادة: (خاف أن يرثوا مالهُ وأن ترثهُ الكلالة فأشفق أن يرثه غير الولد).

التأويل الثاني: قال الزجاج وغيره: (إنما كان مواليه مهملين للدين فخاف بموته أن يضيع الدين، فطلب وليًا يقوم بالدين بعده).

والراجح التأويل الثاني لثلاثة أسباب:

1 - الأنبياء أعظم قدرًا ومنزلة من الإشفاق على أموالهم ودنياهم من بعدهم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015