الحَرُوريَّة؟ قال: لا، هم اليهودُ والنصارى، أما اليَهودُ فكذَّبُوا محمدًا - صلى الله عليه وسلم -، وأمَّا النَّصارى كَفَروا بالجنة وقالوا: لا طعامَ فيها ولا شرابَ، والحَرُورِيَّهُ الذين يَنْقُضُون عَهْدَ الله مِنْ بَعْدِ ميثاقه، وكان سَعْدٌ يُسَمِّيهم الفاسقين] (?).
قال الحافظ ابن كثير: (فإن هذه الآية مكية قبل خطاب اليهود والنصارى وقبل وُجود الخوارج بالكلية، وإنما هي عامَّة في كل من عبدَ الله على غير طريقة مَرْضِيّة يَحْسب أنه مصيبٌ فيها، وأن عمله مقبول، وهو مخطىٌ وعملهُ مردودٌ، كما قال تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ (2) عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ (3) تَصْلَى نَارًا حَامِيَةً} [الغاشية: 2 - 4]، وقوله تعالى: {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا} [الفرقان: 23]، وقال تعالى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا} [النور: 39]).
وقوله تعالى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا}.
أي: إنهم الذين جحدوا التنزيل وحجج الله التي تدعوهم إلى إفراده تعالى بالتعظيم والعبادة، وكفروا بلقائه في يوم يضع سبحانه فيه أعمال العباد على الميزان، فما وافق الحق رجح وما كان على غير ميزان الشريعة جعله هباء منثورًا.
أخرج البخاري في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: [إنه ليأتي الرَّجُلُ العظيم السمينُ يَوْمَ القيامة، لا يَزِنُ عِند الله جَناحَ بعوضة - وقال -: اقرؤوا: {فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا}] (?).
وقوله تعالى: {ذَلِكَ جَزَاؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِمَا كَفَرُوا وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَرُسُلِي هُزُوًا}
قال ابن جرير: (يقول تعالى ذكره: أولئك ثوابهم جهنم بكفرهم بالله، واتخاذهم آيات كتابه، وحجج رسله سخريًا، واستهزائهم برسله).