وقوله: {بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّنْ نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِدًا}.
ظاهر الخطاب لعموم الناس، وإنما المراد به الخصوص، وهم المنكرون للبعث وقيام الساعة.
وفي سنن الترمذي بإسناد صحيح عن أبي هريرة، وعن أبي سعيد قالا: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: [يؤتى بالعبد يومَ القيامة فيقول له: ألمْ أجعلْ لك سمعًا وبَصَرًا، ومالًا وولدًا، وسخّرتُ لك الأنعام والحرثَ، وتركتك ترأسُ وتَرْبعُ، فكنتَ تظُنُّ أنك مُلاقِيَّ يَوْمَكَ هذا؟ فيقول: لا. فيقول له: اليوم أنساكَ كما نسيتني] (?).
قال أبو عيسى: ومعنى قوله: "اليوم أنساك كما نسيتني": اليوم أتركك في العذاب.
وقوله: {وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ}.
أي: يضع الله تعالى كتاب أعمال عباده في أيديهم، فمن آخذٍ كتابه بيمينه، ومن آخذِهِ بشماله، وحينئذ ترى المجرمين المشركين خائفين مما تضمنته كتبهم من جرائم أعمالهم التي عملوها في الدنيا.
وقوله: {وَيَقُولُونَ يَاوَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا}.
قال السدي: (الصغيرة ما دون الشرك، والكبيرة الشرك). وقال سعيد بن جبير: (إنَّ الصغائر اللَّمَمُ كالمسيس والقُبَل، والكبيرة المواقعة والزِّنى).
والمعنى: يتحسر المجرمون يوم الحساب عند استلام كتب أعمالهم، وقد اشتملت على الجليل والحقير، والفتيل والقِطمير، والصغير والكبير، أحصاها الله عليهم فضبطها وحفظها وضمّنها كتبهم.
وقوله: {وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا}.
قال القرطبي: (أي وجدوا إحصاء ما عملوا حاضرًا. وقيل: وجدوا جزاء ما عملوا حاضرًا).
وفي التنزيل: {يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا} [آل عمران: 30].